الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قلق واكتئاب ونوم مضطرب، كيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أريد أن أستشيركم، فأنا في أمس الحاجة لمساعدتكم حتى تتحسن حالتي النفسية التي أصبحت كالتالي: (اكتئاب، قلق، خوف، النوم المضطرب، ليس لدي رغبة في فعل أي نشاط )، يلازمني إحساس بالفشل في كل ما أحاول فعله، وفي بعض الأحيان تسوء حالتي النفسية أكثر، وأصبح عصبية المزاج، وهذا يؤثر حتى على صحتي العضوية.

في انتظار الرد على رسالتي، تقبلوا مني أزكى السلام وأطيب التحيات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جميلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يمتعك بالصحة والعافية، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – من أن حالتك النفسية سيئة وأنك مصابة بما تقولين عنه بأنه الاكتئاب والقلق والخوف والنوم المضطرب وعدم الرغبة في فعل أي نشاط والإحساس بالفشل في كل شيء، وكونك أصبحت عصبية المزاج..

قطعاً هذه كلها تدل على أن هناك عوامل وراء هذه الأشياء؛ لأن هذه عبارة عن تحديات تصيب الإنسان، وعبارة عن مظاهر لأمراض موجودة أو لضغوط نفسية موجودة لدى الإنسان، فتحاول أن تخرج في هذه الصور التي تجعل الإنسان يتأقلم مع هذا الواقع الجديد؛ لأن النفس البشرية نتيجة الضغط الشديد عليها كالبركان في الأرض، كلما ارتفعت درجة حرارة الأرض كلما بحثت هذه البراكين أو الحرارة عن نقطة ضعف في قشرة الأرض حتى تخرج كالإعصار.

فهذه الأشياء التي ذكرتها هي عبارة عن تنفيس ما هو في النفس حقيقة، فمعنى ذلك أن هناك مشكلة أو مشاكل نفسية داخلية مع كثرة ضغوطها عليك أدت إلى ظهور هذه الأعراض التي تعانين منها، ودائماً كما أذكر (إذا عرف السبب بطل العجب)؛ لأن الاكتئاب هذا لابد له من أسباب، وكذلك القلق والخوف – وكذا – فأتمنى بداية - بارك الله فيك – أن تحددي الأسباب التي أدت بك إلى هذه الحالات، لماذا أنت أصبت بهذه الأشياء؟ وهل أصبت بها مرة واحدة أم متتابعة على دفعات فشيء بعد شيء بعد شيء؟

إذا عرفت الأسباب من السهل القضاء عليها، فقد يكون سبب هذا معاملة معينة مع الزوج أو معاملة معينة مع الأولاد، أو معاملة معينة مع الجيران، أو مع الوالدين، كلمة معينة قيلت، عبارة معينة، موقف معين أدى إلى الدخول في هذه الحالة، فإذن نبحث أولاً عن الأسباب التي أدت لهذه الأشياء، ونحاول التخلص منها إذا أمكن ذلك.

إذا لم يمكن ذلك فقطعاً نلجأ إلى الله تعالى أولاً وقبل كل شيء؛ لأن الذي خلق النفس ويعلم ما فيها هو الله، والضار هو الله، والنافع هو الله، والمعطي هو الله، والمانع هو الله، فإذن نلجأ إلى الله تبارك وتعالى لأن إليه الملجأ والملاذ لكل مسلم ومسلمة بل لكل مخلوق على وجه الأرض.

فإذن نتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء ونلح عليه سبحانه أن يُذهب هذه الأشياء؛ لأنه على كل شيء قدير، والدعاء وحده كافٍ بأن يغير كل شيء؛ لأن الدعاء - بارك الله فيك – غيَّر أنظمة دول وأزال حضارات من الوجود ودمر شعوبا بالكامل، بالدعاء..

الدعاء أقوى من أي وسيلة من وسائل التغيير، ولكن هو لا يمنع أيضاً من استعمال وسائل أخرى؛ لأن الله تبارك وتعالى خلق وسائل كثيرة للتغيير، على رأسها الدعاء، ولكن هناك أيضاً هذه الوسائل تعمل عملها بالدعاء ومع الدعاء، وأحياناً الإنسان لا يدعو ويستعمل وسيلة كالمريض الذي يأخذ حبوباً فيبرأ، هو لم يسأل الله الشفاء ولكن شفاه الله؛ لأن الدواء أحد أسباب العلاج.

إذن - بارك الله فيك – معرفة الأسباب ومحاولة التخلص منها أولاً: لماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟ لابد من وجود أسباب نحاول أن نجتهد في معرفتها ونحددها.

والأمر الثاني: نتوجه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء.

والأمر الثالث: تجتهدين في المحافظة على الصلاة في أوقاتها، وتحاولين أن تطمئني في الصلاة نوعاً ما، وتحاولين أن تركزي على القراءة لأن القرآن نور والقرآن رحمة، والقرآن ذكر، والقرآن هدى، والقرآن بركة، فأنت عندما تقرئين في الصلاة باطمئنان قطعاً ستنعكس هذه البركة على نفسك وعلى أعضائك.

أيضاً اجعلي لك ورداً من القرآن يومياً تقرئينه بهدوء، ليست العبرة كثرة الآيات التي تقرئينها، وإنما العبرة بالذوق الذي تتذوقينه من القراءة.. هذا ممكن يكون عاملاً من عوامل زوال هذا كله، ولذلك كل الناس يُجمعون على أن من يقرأ القرآن ويحافظ على الصلوات ومن يحافظ على هذه العبادات يكون أقل الناس عرضة للإصابة بهذه الأشياء، كما قال تعالى: (( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ))[الإسراء:82]، فالقرآن شفاء للنفس من كل هذه الأمراض.

فقراءتك للقرآن - بارك الله فيك – بانتظام كل يوم بمعدل نصف ساعة أو ساعة يومياً، أو سماعك للقرآن إذا لم تكوني تحسنين القراءة فمن الممكن أن تستمعي إلى أحد المقرئين الذين تحبين أصواتهم، حاولي أن تستمعي وتجلسي فقط، يعني لا تستمعي وأنت تعملين وإنما مثلاً نصف ساعة تستمعين مقرئاً من المقرئين يقرأ وتركزين على القراءة؛ لأن هذه شحنة إيمانية رائعة تستطيع - بإذن الله تعالى – أن تزيل هذه الأشياء.

إذن الدعاء والمحافظة على الأذكار في أوقاتها، كذلك أذكار الصباح والمساء، فأنت في الصباح تقولين الأذكار، وفي المساء كذلك، أذكار الصباح كثيرة ومتنوعة فمن الممكن أن تستعيني بكتيب فيه أذكار تقرئينه وتحافظين عليه، حتى إنك بعد فترة تحفظين هذه الأذكار - بإذن الله تعالى – خاصة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرة، أيضاً (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، أيضاً (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات، قراءة آية الكرسي والمعوذتين وسورة الإخلاص، هذه كلها وجبة دسمة حقيقة ينفعك الله تبارك وتعالى بها.. هذا بالنسبة لأذكار الصباح والمساء.

أوصيك أيضاً - بارك الله فيك – بكثرة الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي يصلي عليه كثيراً: (إذن تُكفى همَّك ويُغفر لك ذنبك)، فكل هذه الهموم ستزول - بإذن الله تعالى – بالإكثار من الصلاة على النبي محمد - عليه الصلاة والسلام -.

أتمنى أيضاً - بارك الله فيك – أن تقومي بعمل رقية شرعية، والرقية الشرعية عبارة عن آيات من القرآن وأحاديث صحيحة من سنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام وهي موجودة في كل مكان، موجودة عندكم في المكتبات الإسلامية، موجودة في أشرطة تباع أيضاً في التسجيلات، وأيضاً يمكن أن تدخلين على أي موقع من مواقع البحث وتكتبين (الرقية الشرعية) وسوف يظهر لك كم هائل من الآيات والأحاديث التي تستطيعين من خلالها أن تعالجي نفسك.

إن استطعت أن ترقي نفسك فذلك أفضل، أو يرقيك أحد أقاربك فحسن، وإن لم يمكن فمن الممكن أن تستعيني ببعض المعالجين بشرط أن يكون صحيح العقيدة وألا يكون دجالاً أو مشعوذاً، وبذلك نعتقد لو أن الله تبارك وتعالى منَّ عليك بتطبيق هذا البرنامج سيكون الأمر سهلاً ميسوراً.

حاولي - بارك الله فيك – أن تخرجي وحدك بعيداً عن البيت والمدينة في مكان فيه شجر وفيه ماء، وتجلسين مثلاً تتأملين في ملكوت السموات والأرض وفي خلق الله تعالى لمدة نصف ساعة، حتى وليكن معك زوجك أو أولادك أو أحد، وتظلي أنت وحدك ويبتعد عنك وأنت فقط تقومين بالتأمل في ملكوت الله؛ لأن هذا يخرج ما في النفس من كبت وما في النفس من ضيق.

أيضاً تطبيق تمرين استرخائي وهو أخذ نفس عميق وإخراجه بهدوء وتتخيلين أنك في حديقة جميلة، هذا أيضاً يخرج ما في نفسك من هذه الأشياء.

الدعاء الدعاء - أختي الكريمة – هذه نصيحتي لك حتى وإن كان مع العلاج العضوي، حتى وإن كان مع العلاج السلوكي، حتى وإن كان مع هذه الأشياء، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، وقال أيضاً: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، فالبلاء كله يرفع ببركة الدعاء، فألحي على الله تعالى، وحاولي أن تنظمي نفسك تنظيما جيداً بالنسبة للطاعات والعبادات والصلاة في أوقاتها، وأنا واثق ستكونين في أحسن حال، وستعافين تماماً من هذه الهموم وتلك الأمراض، وهذه المشاكل من القلق والخوف والاكتئاب والنوم المضطرب، كل ذلك سوف يزول، خاصة هذا النوم المضطرب لو أنك قلت أذكار النوم ونمت وأنت متوضئة ووضعت يدك اليمنى تحت خدك الأيمن وظللت تذكرين الله تعالى حتى تنامي، سيكون نومك نوماً رائعاً، ونوماً هنيئاً، ونوماً هادئاً، ولن تري أي منغصات - بإذن الله تعالى -.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يكرمك بكرامة الصالحين، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً