الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد مرور سنين لا زالت ذكريات الماضي تؤرقني

السؤال

السلام عليكم.

في السابعة من العمر تعرضت لاستغلال جنسي، حيث أصبحت هذه التجربة من الماضي، ولكن تعود هذه التجربة المؤلمة في فترات مختلفة وبقوة مختلفة كلما رأيت الشخص الذي قام باستغلالي أو أصحاب هذا الشخص، تعود هذه التجربة أو المكان بشكل أقوى وتؤرق منامي وتحد من قواي وانخراطي في المجتمع، فمع الأيام والسنين فرضت على نفسي العزلة التامة وانطويت على نفسي، وبعد مرور كل هذه السنين لا يزال لدي الإحساس بالخوف من عيون الناس وألسنتهم، فهذه التجربة تقيدني فبماذا تنصحني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى أن يعافيك من هذه الهواجس النفسية، وأن يصرف عنك تسلط الشيطان، وأن يعيد لك ثقتك في نفسك وتوازنك بين المسلمين، كما نسأله تبارك وتعالى أن يفتح عليك وأن يوفقك في دراستك، وأن يجعلك سويّاً مستقيماً، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين.

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابني الكريم الفاضل – من أنك تعرضت في صغرك لاستغلال جنسي حتى أصبحت هذه التجربة من الماضي، ولكنها تعود بصورة مؤلمة، خاصة كلما رأيت الشخص الذي قام باستغلالك وأحد أصدقائه أو المكان الذي حدث فيه هذا الأمر، وبعد مرور هذه السنوات الطوال لا تزال تشعر بهذا الإحساس ويأتيك خوف من أعين الناس وألسنتهم، فأقول لك:

نعم، إن هذا الأمر مما لا شك فيه من الأمور التي لا تُنسى، خاصة إذا كانت التجربة مؤلمة، فإذا كانت التجربة مؤلمة فإنها تترك بصماتها في نفس الإنسان وفي أعماقه، ويظل العقل الباطن يحتفظ بهذه الذكرى المؤلمة، وكلما حدث هناك ما يثيرها فإنها تتحرك، كأن ترى فعلاً الشخص الذي فعل هذا الأمر معك أو أن ترى المكان الذي وقعت فيه هذه المشكلة، أو كذلك أن ترى أي أحد يذكرك بهذا الشخص، أو حتى العبارات أو التصرفات أو حتى المناظر أو الألوان التي تتعلق بهذا.

نعم إن هذا سيظل في عقلك الباطن، وقد يكون من الصعب التخلص منه إذا لم تتم الاستعانة بالله تبارك وتعالى ثم ببعض الأخصائيين، ولذلك أقول لك: عليك أن تتوجه إلى بعض الأخصائيين النفسانيين، ليحاول أن يعالجك بطريقة تسمى العلاج بخط الزمن، وهذه طريقة مجربة وأصبحت تُطبق الآن على نطاق واسع في علم النفس، حيث يذهب بك المعالج إلى حالتك قبل وقوع هذا الحدث، ثم يحاول بعد ذلك أن يقوم بإلغاء هذه الذاكرة من عقلك الباطن، وهذا أمر ممكن، ليس بالصعب ولا بالمستحيل، وإنما ثبت الآن أن العلاج بخط الزمن يحاول أن يُخلص الإنسان من تلك الذكريات المؤلمة القديمة، بل إنه يقوم بمحوها تماماً من الذاكرة، أو على الأقل يخفف من حدتها ووطأتها، فأنا أنصحك أن تذهب إلى بعض الأخصائيين النفسانيين، ولا أقصد بالأخصائي الطبيب النفسي، وإنما الأخصائيين النفسانيين يختلفون عن الأطباء النفسانيين؛ لأنهم لا يعطونك دواءً، وإنما بعض المهارات وبعض التدريبات التي إن التزمت بها بطريقة صحيحة فسوف تتغلب على هذه الذكرى المؤلمة بإذن الله تعالى.

كذلك أعلم أن الشيطان له دور أيضاً في إذكاء هذه الذكرى المؤلمة وفي تذكيرك بها، ومن هنا فإني أقول لك: كلما بدأت هذه الفكرة تمر بخاطرك استعذ بالله عز وجل واتفل على يسارك ثلاثاً، وحاول أن تغير واقعك الذي أنت فيه، ولا تستسلم لهذه الأفكار، بمعنى في بداية مهاجمتها لك وشعورك بأنك سوف تتذكرها غيّر وضعك الذي أنت فيه، وأقصد بتغيير الوضع أي الوضع الجسدي، فإذا كنت نائماً فقم من فراشك، وإذا كنت جالساً فقم وقف وتحرك، وإذا كنت وحدك مثلاً فحاول أن تختلط بالناس كأن تتكلم مع الوالدة أو مع الأخوة أو مع الأخوات أو مع أي أحد، أو أن تشغل نفسك مثلاً ببعض البرامج، أو أي شيء آخر، المهم أنك لا تظل جالساً وهي تهاجمك؛ لأن هذه أشبه ما تكون بالحيوان المفترس الذي يريد أن ينقض عليك ليدمرك، ولذلك لا تستسلم لها، كلما تشعر بأن الفكرة ستدخل إلى ذاكرتك أو أنها مرت بخاطرك كلما اجتهدت في دفعها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومحاولة – كما ذكرت – تغيير الوضع الذي أنت فيه، وشغل نفسك بأي شيء آخر.

هذه الطريقة لن تستطيع أن تُخرج من ذاكرتك هذا الحدث، ولكنها على الأقل تقلل من حدته ووطأته وشدته، ويُصبح هذا الأمر مع الزمن شيئاً عادياً، والألم الذي كان يصاحبه سوف يخف بإذن الله تعالى، فاستعن بالله عز وجل، وأكثر من الدعاء أيضاً أن يعافيك الله تبارك وتعالى من هذا الأمر؛ لأن هذا نوع من أنواع الهم الذي ستؤجر عليه من الله تبارك وتعالى كما أخبر الحبيب المعصوم صلى الله عليه وسلم.

إذن حاول أن تعرض نفسك على أخصائي نفساني، كلما جاءتك هذه الفكرة حاول أن تطاردها ولا تستسلم لها أبداً بأي وضع كان، وأكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأكثر من الدعاء أن يعافيك الله من هذه الآثار الصعبة والمؤلمة التي تصاحب هذه الذكرى المؤلمة أيضاً.

واعلم بارك الله فيك أن الناس لم يعلموا عنك شيئاً، ولذلك كون هذا الأمر قد حدث ولم يعلم به أحد من الناس ولم يتكلم حوله أحد من الناس وخاصة أنك كنت صغيراً، فلا تشغل بالك بالناس؛ لأن خوفك هذا ليس له سبب وجيه؛ لأنه لم يحدث هذا الأمر علانية أمام الناس، ولم ينتشر بين الناس، فإذن الخوف من عيون الناس هذا أيضاً من الشيطان، فأنت إنسان طبيعي، وأنت إنسان عادي جدّاً، ولا تحاول أن تخيف نفسك أو تستسلم للشيطان حتى يدمرك، وإنما تعامل مع الناس بقوة، وتعامل مع الناس برجولة، وتعامل مع الناس بندية، وتعامل مع الناس أيضاً كذلك باحترام وتقدير ما داموا يحترمونك، ولا تشعر أبداً أو تُشعر نفسك بأنك أقل منهم، بل على العكس أنت أفضل من ملايين من الناس وأنت لا تدري، ولكن الشيطان يريد أن يستغل هذه التجربة القاسية ليدمرك، فلا تستسلم له، وحاول أن تقاوم، واستعن بالله، واعلم أن من استعان بالله أعانه، ومن توكل على الله كفاه.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً