الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاضطراب الوجداني وتقلبات المزاج

السؤال

أنا فتاة عمري 22 سنة، أعاني من مرض نفسي -هكذا أراه أنا- ولم أستطع أن أخبر به أحداً، إنني متشائمة جداً، وحتى لو حاولت أن أقنع نفسي أن هناك أملاً أعود وأفكر وأرى أن الحياة من سيئ إلى أسوأ.
تخرجت من الجامعة -والحمد لله- وهذا الشيء الوحيد الجيد في حياتي، إذا حدث شيء جيد في حياتي أفرح به للحظات ثم أعود إلى تعاستي، مع العلم أنني أصلي وأصوم وأقرأ القرآن كل يوم تقريباً، وأحاول أن أحفظ منه كل يوم.

أي أنني لا أبتعد عن عبادة الله، وأطيع أبي وأمي، كما أن علاقتي مع أمي شبه معدومة، فلم تشعرني بحنانها في يوم من الأيام، لذلك عندما تعرفت على صديقة لي في المدرسة ثم رافقتني في الجامعة وكنا في منزل واحد فتعلقت بها كثيراً، فقد عوضتني قليلاً عن حنان أمي، وكانت أختاً وصديقة فتعلقت بها كثيراً، وأصبحت أغار من أي صديقة أخرى تتقرب منها وأشعر بالحزن الشديد إذا شعرت أنها تفضل أي صديقة أخرى علي، وأصبح تعيسة وأكره أن أتكلم مع أي أحد وتتغير معاملتي مع كل العالم، ولا أطيق أن أفعل أي شيء، وعلى العكس إذا كانت قريبة مني واهتمت بي أصبح سعيدة جداً وأحب الحياة، مع العلم أنها الآن قد تزوجت وأحس أني أصبحت وحيدة فهي الصديقة الوحيدة الحقيقية لي، فما تفسير هذا؟ هل هو مرض نفسي أم ماذا؟

أنا أعرف أن هذا خطأ ولكني لا أعرف ماذا أفعل؟ فكل ما عرفت أن إحدى صديقاتنا الأخرى معها وقريبة منها أشعر بالغيرة الشديدة، وأصاب بالاكتئاب، وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أخبر أي أحد بما يحدث معي حتى هي لا تعرف، ولكنها تشعر بذلك، وقد فكرت كثيراً أن أذهب إلى دكتور نفسي ولكن هذا مستحيل فمن سيذهب معي؟ وسيقولون عني مجنونة!
فأرجو مساعدتي وإرشادي ونصحي، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ربا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فجزاك الله خيراً وبارك الله فيك.
فبداية أقول لك: إنك لا تعانين من مرض نفسي حقيقي، ولكن قطعاً هنالك ظواهر نفسية تتسم بها شخصيتك، وهنالك درجة مما نسميه بـ (الاضطراب الوجداني) وعدم القدرة على التكيف، وهذه كلها أدت إلى الشعور بعدم الارتياح، وتقلبات المزاج، ونوبات الاكتئاب التي تأتيك من وقت لآخر، كما أن أهدافك في الحياة أصبحت غير واضحة.

أولاً: أرى أنه من الضروري جدّاً أن تصلحي علاقتك مع والدتك، فهذا شيء ضروري جدّاً، وقد ذكرت أن أمك لم تشعرك بحبها في يوم من الأيام، فأرجو أن تعيدي نظرك في هذا الحكم، فأعتقد أن هذا الحكم قاس جدّاً على والدتك وقاس جدّاً عليك أنت أيضاً، ويعود عليك بأشياء سلبية كثيرة.

حب الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم هو حب فطري وجبلي، ولا أعتقد أن والدتك مهما كانت قاسية أنها لا تحبك، فأرجو أن تصححي مفهومك في هذا السياق، حتى إذا اتضح أن والدتك لا تحبك ظاهراً عليك أنت أن تتقدمي نحوها وأن تصلي مشاعرك الإيجابية حولها، وأن تعطفي عليها وأن تكوني بارة، فأنت - الحمد لله - مصلية، وتقرئين القرآن، وتصومين، فلابد أيضاً من أن تستوعبي أيضاً حقوق الوالدين.

أعتقد أن تحسين علاقتك بوالدتك سوف تفتح لك بابا من أبواب الخير، فهذا أمر ضروري جدّاً، فقد حثنا ديننا الحنيف على بر الوالدين وأوصانا بحسن صحبتهما، فهذا ضروري جدّاً، حتى وإن كانت العلاقة بينك وبين والدتك سيئة في الماضي فأرجو ألا تكوني سجينة وأسيرة للماضي، فالماضي هو عبارة عن تجارب وليس أكثر من ذلك، ويستفاد من الماضي لتطوير المستقبل والحاضر، وتطوير المستقبل والحاضر هو يعني أن تحسني علاقتك بوالدتك.

يأتي بعد ذلك علاقتك بهذه الصديقة، فإن هذا يحدث لبعض البنات، ولكثير من البنات أستطيع أن أقول: إنه يحدث نوع من التوحد المزاجي ما بين شخص وشخص آخر، خاصة في فترة المراهقة والشباب ما بين البنات، وأنت بالطبع بُني في خلدك وفي تفكيرك أن والدتك لا تحبك؛ ولذا حاولت أن تبني هذه العلاقات التعويضية، فهي تعتبر علاقة تعويضية ووصلت لمرحلة أنك تغارين كثيراً على هذه الصديقة.

لابد أن أحذرك تحذيراً قاطعاً أن بناء العلاقات بهذه الدرجة وبهذه القوة بين الفتيات أمر لا نحبه أبداً، إذا وصل الأمر لدرجة الغيرة وإذا وصل الأمر لدرجة الإحساس بالسعادة المطلقة حينما تكونين معها أو تتكلمين معها، فهذه العلاقة بكل أمانة قد تصل إلى ما لا يحمد عقباه، وهو بعض الممارسات الجنسية البغيضة، فهنا يجب أن أكون صريحاً وأن أكون واضحاً معك، وحتى تستطيعي أن تصححي مسارك في علاقتك مع هذه الصديقة.

تذكري أن هذا التمادي في هذه العلاقة سوف ينتهي بك إلى أمر خطير وهو صفة جنسية بهذه الفتاة.

أنا أتكلم معك من منطلق الخبرة ومن منطلق التجارب، فأرجو أن تتذكري ما ذكرته لك، وهذا - إن شاء الله تعالى – سوف يكون دافعاً للمنع ولأن تبني علاقتك مع هذه الفتاة على أسس جديدة.

ثانياً: عليك أن توسعي من علاقاتك، أن تتعرفي على الصالحات من النساء، وعليك أن تبني صداقات وزمالات أخرى بكل إيجابياتها وبكل جمالها وتأخذي القدوة من الآخرين؛ فأنت حقيقة أصبحت سجينة للتفكير في الماضي وأصبحت أيضاً سجينة للحاضر وهو حيال هذه الفتاة وأهملت والدتك إهمالاً كبيراً.

إذن الأمر واضح تماماً، فيجب أن تنظري للحياة بإيجابية، والتشاؤم والطيرة مرفوضة تماماً في ديننا الإسلامي، وهي لا تجلب إلا الأحزان وإلا القلق والتوتر.

أختم بأن أقول لك: أنت لست مريضة ولكن هنالك ظواهر، فلابد أن تصححي مسارك حسب الإرشاد الذي ذكرته لك، وعليك أيضاً أن تستفيدي من وقتك وتوزعي وقتك بصورة صحيحة، وأن تبني علاقات جديدة كما ذكرت لك، وأرجع مرة أخرى وأقول لك: لابد أن تفتحي قنوات جديدة من الصلة بينك وبين والدتك قائمة على الاحترام وقائمة على البر، وقائمة على الحب، وقائمة على الاستشارة لوالدتك.
ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة هذه الاستشارات حول العلاج السلوكي للتشاؤم: ( 278993 - 282714 ).
وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً