تحولت المجتمعات في ظل التطور المتسارع في منصات التواصل إلى مجتمعات إلكترونية، تمارس حياتها الاجتماعية عبر تلك التطبيقات التفاعلية ذات الاهتمام المشترك، إضافة إلى تبادل الآراء والأخبار، إلا أن هذا الواقع الافتراضي الذي يمكن للمستخدم من إخفاء شخصه أفرز عددا من السلبيات التي تضر بالمجتمع، لا سيما في مجال استهداف النظام القيمي للمجتمعات، وكسر حواجز العفة والحياء للوصول إلى مرحلة المجاهرة بالسوء.
ولم يعد خافيا على كثير من المتابعين أن الأمر لم يعد مجرد أخطاء فردية، بل بات واضحا أنها أجندات موجهة لضرب منظومة القيم، عبر بعض الحسابات التي تجاوزت كل العادات الحسنة التي تحتفظ بها المجتمعات الإسلامية، ولا تزال هذه التجاوزات السلبية تتسع رقعتها شيئا فشيئا، مما يؤكد على ضرورة تكاتف الجهود لمواجهة هذا الاستخدام السلبي لتلك المنصات.
ومما يجعل الأمر أشد خطورة على البنية الأخلاقية أن تلك السلوكيات السلبية تنتشر دون مواجهة فاعلة، وأن جيلا بات يتشكل في ظل هذه الفوضى الأخلاقية، وأننا أصبحنا نسمع من يدافع عنها على أنها سلوكيات طبيعية، وحقوقا شخصية محضة، مما يؤكد عمق الاختراق الأخلاقي لتلك الأدوات والتطبيقات.
ومما يجعل الأمر أشد خطورة على البنية الأخلاقية أن تلك السلوكيات السلبية تنتشر دون مواجهة فاعلة، وأن جيلا بات يتشكل في ظل هذه الفوضى الأخلاقية، وأننا أصبحنا نسمع من يدافع عنها على أنها سلوكيات طبيعية، وحقوقا شخصية محضة، مما يؤكد عمق الاختراق الأخلاقي لتلك الأدوات والتطبيقات.
وعلى كل مسلم أن يعلم أنه أمام مسؤولية أخلاقية ومجتمعية عن كل تصرف يفعله في هذا العالم الافتراضي الذي بات عالما واقعيا، وأن يحذر الجميع من إشاعة المحتويات الهابطة، سواء في ذلك من يصنع المحتوى أو من يتابع ويشاهد.
وهذه بعض التوجيهات النبوية التي توجه المسلم للالتزام بقيمة الستر والحياء من الله في جميع أحواله، في خلواته وجلواته، فالإسلام وضع بين المسلم وبين الفواحش حواجز ومسافات محظورة، فحرَّم النظر إلى ما لا يحل، وأمر بالستر والحجاب، ورسخ في النفوس قيمة الحياء والعفة.
وهذه بعض التوجيهات النبوية التي توجه المسلم للالتزام بقيمة الستر والحياء من الله في جميع أحواله، في خلواته وجلواته، فالإسلام وضع بين المسلم وبين الفواحش حواجز ومسافات محظورة، فحرَّم النظر إلى ما لا يحل، وأمر بالستر والحجاب، ورسخ في النفوس قيمة الحياء والعفة.
الستر:
مطلوب من المسلم في تعاملاته الواقعية والافتراضية أن يتعامل بالستر على مستويين: الأول: ستر معايب نفسه إذا ابتلي بها، والثاني: طلب الستر للآخرين، وعدم إشاعة عيوبهم وفضائحهم، وهذا مقتضى ما يعامل الله به عباده، فإنه يعاملهم بالستر عليهم، حتى يتمكنوا من التوبة والرجوع إليه، فإن لم يتوبوا كان ستره عليهم استدراجا لهم، حتى ينزع عنهم ستره مرة واحدة، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها».
مطلوب من المسلم في تعاملاته الواقعية والافتراضية أن يتعامل بالستر على مستويين: الأول: ستر معايب نفسه إذا ابتلي بها، والثاني: طلب الستر للآخرين، وعدم إشاعة عيوبهم وفضائحهم، وهذا مقتضى ما يعامل الله به عباده، فإنه يعاملهم بالستر عليهم، حتى يتمكنوا من التوبة والرجوع إليه، فإن لم يتوبوا كان ستره عليهم استدراجا لهم، حتى ينزع عنهم ستره مرة واحدة، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها».
والمسلم اليوم مطالب بذلك في تعامله مع وسائل التواصل، لا سيما وأن البعض يعصي ويدعو لما ينافي الحياء معلنا بذلك في المقاطع والصور، ويتعمد نشرها، لجذب المتابعين والمعجبين، ومنهم من يتتبع زلات الآخرين، ويقوم بفضحهم وتداول ذلك، والواجب هو ستر معايب النفس عن المجاهرة، والستر على الآخرين.
ومما تضافرت عليه النصوص وتواترت وجوب ستر المرأة لبدنها عن الأجانب، وهي ضرورة شرعية وواقعية، ويدل على لزومها الشرع والعقل ومنطق القيم والأخلاق، ومن التصرفات السلبية التي ظهرت على منصات التواصل وباتت تتوسع: ما تفعله بعض النساء من الظهور على الآخرين كاشفة ما أمرها الله بستره من بدنها، وهذا منكر عظيم، يجب إنكاره، ويجب تحذير بنات المسلمين من فعله، وقيام الأسرة بدورها في منع ذلك، بل يجب على الجهات الرسمية وضع القيود الإلكترونية التي تحظر مثل هذه التصرفات المشينة، فالمرأة مطالبة بستر نفسها عن نظر الأجانب لها، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تخلع امرأة ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها». وفي رواية: «في غير بيتها إلا هتكت سترها بينها وبين الله عز وجل». رواه الترمذي وأبو داود قال الطيبي: وذلك أن الله تعالى أنزل لباسا ليواري به سوآتهن، وهو لباس التقوى، فإذا لم يتَّقين الله، وكشفن سوآتهن، هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى. انتهى
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر في هذا الحديث من وضع الحجاب بهذه الصورة المحدودة، فكيف والأمر في ظل ثورة الاتصالات وتداول المعلومات والبيانات على نطاق واسع قد تجاوز هذه الصورة البسيطة، فالمرأة قد تكشف سترها وهي في بيت زوجها، ويراها الآخرون من كل مكان، وهذا أبشع ما توصلت إليه البشرية من صور هتك الستر عن المرأة، إذ لو وضعت حجابها في نطاق معين لرآها من في ذلك المكان فقط، أما في هذه المنصات فهو هتك للستر ليراها كل من يريد أن يراها في كوكب الأرض. فبعض البيوت لم تعد ساترة لمن فيها في ظل هذا الاختراق الشامل، وليس أمام المسلمين إلا الحفاظ على أنفسهم وبيوتهم من الاتجاه نحو المفاسد الكبرى التي يتلاشى معها الحياء والعفة.
الحذر من تتبع عورات الناس:
ومن التوجيهات النبوية التي ينبغي أن يمتثلها المسلم في استخدام منصات التواصل في مجال القيم الأخلاقية أن لا يبحث عن عورات الآخرين، ولا يسعى في كشف أستارهم، من خلال ما يقوم به البعض من نشر المحتويات المسيئة التي تُنتهك فيها خصوصيات الآخرين، وتظهر عوراتهم، فمغبة مثل هذه التصرفات هي العقوبة بالفضيحة عاجلا وآجلا، كما في السنن عن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته».
التحذير من المجاهرة بالسوء:
وجاء في السنة النبوية ما يدعو إلى ستر الإنسان على نفسه، وألا يتحدث بما فعل من الفواحش والقاذورات حتى في مقام التوبة، فقد روى البيهقي في السنن عن زيد بن أسلم، أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور، فقال: «فوق هذا»، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: «دون هذا»، فأتي بسوط قد ركب به ولان، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد، ثم قال: «أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئا. فليستتر بستر الله. فإنه من يبدي لنا صفحته، نقم عليه كتاب الله».
وقد كان من فقه عمر رضي الله عنه حين قال للرجل الذي جاء يقر على نفسه أمام النبي صلى الله عليه وسلم بعمل لا يحسن الجهر به ولو في مقام الاستفتاء، كما في الصحيحين عن عبد الله، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض في ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114] فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة؟ قال: «بل للناس كافة».
ولذلك فإن بعض صانعي المحتوى السلبي الذي ينشر الحرام، ويهيج النفوس على الفواحش هم أبعد ما يكونون عن العافية، وأجدر أن لا تدركهم السلامة؛ لتحولهم من مجرد فعل المعصية إلى الدعوة إليها، وتزيين دروبها للغافلين عنها، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه».
وقد ورد في السنة تحذير المسلم من كشف ستور الفتنة، وفتح أبواب الحرام على نفسه، كما في المسند عن النواس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جَنَبَتَيْ الصراط سُوْران، فيهما أبواب مفتَّحة، وعلى الأبواب ستور مُرْخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا، ولا تتعرَّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحْه، فإنك إن تفتحه تَلِجْه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم».
فأبواب المحارم والفواحش مستورة حتى يكشفها الإنسان على نفسه، فلا يزال يتعرض لها حتى يلج فيها، وهذا هو الحال مع تلك المنصات التي تشتمل على كثير من المحرمات، ولا يزال المسلم في مأمن من شرها حتى يفتح أبواب الحرام، من خلال مشاهدة أو إرسال الصور والمقاطع التي فيها ابتذال أو مجون أو كشف للعورات، أو هتك لأستار العفيفات، وتداول ونشر الأفلام المشتملة على ما يخل بالآداب، وقد أصبح هذا شائعا عند البعض، وتساهلوا فيه تساهلا كبيرا، مع أن هذا مِنْ نَشْرِ أسباب الفاحشة وإشاعتها بين الناس، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19].
ولذلك فإن بعض صانعي المحتوى السلبي الذي ينشر الحرام، ويهيج النفوس على الفواحش هم أبعد ما يكونون عن العافية، وأجدر أن لا تدركهم السلامة؛ لتحولهم من مجرد فعل المعصية إلى الدعوة إليها، وتزيين دروبها للغافلين عنها، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه».
وقد ورد في السنة تحذير المسلم من كشف ستور الفتنة، وفتح أبواب الحرام على نفسه، كما في المسند عن النواس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جَنَبَتَيْ الصراط سُوْران، فيهما أبواب مفتَّحة، وعلى الأبواب ستور مُرْخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا، ولا تتعرَّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحْه، فإنك إن تفتحه تَلِجْه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم».
فأبواب المحارم والفواحش مستورة حتى يكشفها الإنسان على نفسه، فلا يزال يتعرض لها حتى يلج فيها، وهذا هو الحال مع تلك المنصات التي تشتمل على كثير من المحرمات، ولا يزال المسلم في مأمن من شرها حتى يفتح أبواب الحرام، من خلال مشاهدة أو إرسال الصور والمقاطع التي فيها ابتذال أو مجون أو كشف للعورات، أو هتك لأستار العفيفات، وتداول ونشر الأفلام المشتملة على ما يخل بالآداب، وقد أصبح هذا شائعا عند البعض، وتساهلوا فيه تساهلا كبيرا، مع أن هذا مِنْ نَشْرِ أسباب الفاحشة وإشاعتها بين الناس، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19].
وهذا الكلام ليس دعوة إلى تحريم التعامل مع تلك المنصات، فقد باتت أمرا واقعا، وللناس فيها منافع ومصالح، ولكنها دعوة إلى ترشيد استعمالها فيما ينفع، والحذر من إضاعة القيم في الانسياق وراء مروجي الفواحش، ودعاة الفساد، بل إن بعض تلك التطبيقات لا فائدة منها تعود على المسلم بخير في دين ولا دنيا، بل يتعمد روادها الإثارة ولو على حساب الأخلاق والحياء والعفة، فلماذا يملأ المسلم سمعه وبصره بتلك المناظر المحرمة، ويتساهل في مشاهدتها ونشرها.
المقالات

