الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
حدثنا أحمد ، قال : 176 \ 152 - نا أحمد بن منصور ، قال : نا عبد الرزاق ، قال : أنا معمر ، قال : قال ابن شهاب : فأخبرني عروة بن الزبير ، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمض علينا يوم إلا [ ص: 190 ] يأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه طرفي النهار بكرة وعشيا ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو الحبشة حتى إذا بلغ الغماد لقيه ابن الدغنة فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي .

فقال ابن الدغنة : يا أبا بكر إن مثلك لا يخرج ، إنك تكسب المعدم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك . فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة في أشراف قريش عشية فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله ، ولا يخرج رجل يكسب المعدم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ، فلم تكره قريش قول ابن الدغنة وقالوا : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها ولا يؤذينا ولا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن أبناءنا ونساءنا . فقال زيد بن الدغنة : لا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ، ثم قال لأبي بكر ما قالوا له ، وما ردوا عليه . فاتخذ مسجدا بفناء داره فكان يقرأ القرآن فكان يمر عليه نساء المشركين وأبناؤهم فينظرون إليه وكان رجلا بكاء لا يملك عينه إذا قرأ القرآن . فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقالوا : إنا كنا أوينا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فأعلن بالصلاة والقراءة ، وإنا نخشى أن يفتن أبناءنا [ ص: 191 ] ونساءنا ، وقد خالف - أحسبه قال - ما كنت عقدت عليه من أن يعبد ربه في داره أن يرد جوارك .

قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عاهدت لك عليه ، فإما أن تفعل ذلك - أو : كلمة نحوها - وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني أكره أن يتحدث العرب أني خفرت في رجل عقدت له . فقال أبو بكر : قد رددت إليك جوارك .

وتهيأ أبو بكر أن يهاجر واشترى راحلتين فكان يعلفهما ورق السمر - وهو الخبط - أربعة أشهر .

قال ابن شهاب : قال عروة : قالت عائشة : فبينما نحن ذات يوم جلوس في بيت أبي بكر نحر الظهيرة إذ قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله مقبلا - أحسبه قال : وكانت ساعة لم يكن يأتينا فيها - فقال أبو بكر : والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أخرج من عندك " . فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . فقال رسول الله : فإنه قد أذن لي في الخروج . فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله : نعم " . فقال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله أحد راحلتي . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 192 ] بالثمن " .

قالت عائشة : فأخذ أحدهما وجهزناهما وجعلنا لهم سفرة في جراب ، وقطعت أسماء إحدى نطاقها فربطت به فم الجراب ، فمن ثم سميت ذات النطاق .

ثم ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى غار يقال له : ثور ، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ، فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة فلا يسمع أمرا إلا وعاه فيأتيهما بذلك ، ويرعى عليهم عامر بن فهيرة منيحة غنم فيريحها عليهم حين يذهب ساعة من العشاء ، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث
.

آخر حديث عروة .

التالي السابق


الخدمات العلمية