[ ص: 14 ] ( بسم الله الرحمن الرحيم )
الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وعلى تشعب أخلاقهم يدورون، وفيما قضى وقدر عليهم يهيمون و ( كل حزب بما لديهم فرحون ) .
وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا، ومنشئ الأرضين والثرى، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) .
وأشهد أن محمدا عبده المجتبى، ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضي، والأمر المرضي، على حين فترة من الرسل. ودروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأكمل به الإيمان، وأظهره على كل الأديان، وقمع به أهل الأوثان، فصلى الله عليه وسلم ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وعلى آله أجمعين!.
أما بعد، فإن الزمان قد تبين للعاقل تغيره، ولاح للبيب تبدله، حيث يبس ضرعه بعد الغزارة وذبل فرعه بعد النضارة، ونحل عوده بعد الرطوبة، وبشع مذاقه بعد العذوبة، فنبع فيه أقوام يدعون التمكن من العقل باستعمال ضد ما يوجب العقل من شهوات صدورهم، وترك ما يوجبه نفس العقل بهجسات [ ص: 15 ] قلوبهم، جعلوا أساس العقل الذي يعقدون عليه عند المعضلات: النفاق والمداهنة، وفروعه عند ورود النائبات حسن اللباس والفصاحة، وزعموا أن من أحكم هذه الأشياء الأربع فهو العاقل، الذي يجب الاقتداء به، ومن تخلف عن إحكامها فهو الأنوك الذي يجب الازورار عنه.
فلما رأيت الرعاع من العالم يغترون بأفعالهم والهمج من الناس يقتدون بأمثالهم، دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف، يشتمل متضمنه على معنى لطيف، مما يحتاج إليه العقلاء في أيامهم، من معرفة الأحوال في أوقاتهم، ليكون كالتذكرة لذوي الحجى عند حضرتهم، وكالمعين لأولي النهى عند غيبتهم، يفوق العالم به أقرانه، والحافظ له أترابه، يكون النديم الصادق للعاقل في الخلوات، والمؤنس الحافظ له في الفلوات إن خص به من يجب من إخوانه، لم يفتقده من ديوانه، وإن استبد به دون أوليائه فاق به على نظرائه.
أبين فيه مع القصد في لزوم الاقتصار، وترك الإمعان في الإكثار، ليخف على حامله، وتعيه أذن مستمعه، لأن فنون الأخبار وأنواع الأشعار، إذا استقصى المجتهد في إطالتها، فليس يرجو النهاية إلى غايتها، ومن لم يرج التمكن من الكمال في الإكثار، كان حقيقا أن يقنع بالاختصار. ما يحسن للعاقل استعماله من الخصال المحمودة، ويقبح به إتيانه من الخلال المذمومة،
والله الموفق للسداد، والهادي إلى الرشاد، وإياه أسأل إصلاح الأسرار، وترك المعاقبة على الأوزار، إنه جواد كريم رؤوف رحيم.
[ ص: 16 ]
مقدمة
- مقدمة
- ذكر الحث على لزوم العقل وصفة العاقل اللبيب
- ذكر إصلاح السرائر بلزوم تقوى الله
- ذكر الحث على لزوم العلم والمداومة على طلبه
- ذكر الحث على لزوم الصمت وحفظ اللسان
- ذكر الحث على لزوم الصدق ومجانبة الكذب
- ذكر الحث على لزوم الحياء وترك القحة
- ذكر الحث على لزوم التواضع ومجانبة الكبر
- ذكر استحباب التحبب إلى الناس من غير مقارفة المأثم
- ذكر استعمال لزوم المداراة، وترك المداهنة مع الناس
- ذكر استحباب إفشاء السلام وإظهار البشر والتبسم
- ذكر ما أبيح من المزاح للمرء وما كره له منه
- ذكر استحباب الاعتزال من الناس عاما
- ذكر استحباب المؤاخاة للمرء مع الخاص
- ذكر كراهية المعاداة للناس
- ذكر الحث على صحبة الأخيار والزجر عن عشرة الأشرار
- ذكر كراهية التلون في الوداد بين المتآخيين
- ذكر ائتلاف الناس واختلافهم
- ذكر الحث على زيارة الإخوان وإكرامهم
- ذكر صفة الأحمق والجاهل
- ذكر الزجر عن التجسس وسوء الظن
- ذكر الحث على مجانبة الحرص للعاقل
- ذكر الزجر عن التحاسد والبغضاء
- ذكر الحث على مجانبة الغضب وكراهية العجلة
- ذكر الزجر عن الطمع إلى الناس
- ذكر الحث على مجانبة المسألة وكراهيتها
- ذكر الحث على لزوم القناعة
- ذكر الحث على لزوم التوكل على من ضمن الأرزاق
- ذكر الحث على لزوم الرضا بالشدائد والصبر عليها
- ذكر الحث على العفو عن الجاني
- ذكر صفة الكريم واللئيم
- ذكر الزجر عن قبول قول الوشاة
- ذكر استحباب قبول الاعتذار من المعتذر
- ذكر الحث على لزوم كتمان السر
- ذكر الحث على لزوم النصيحة للمسلمين كافة
- وصية الخطاب بن المعلى المخزومي ابنه
- ذكر الزجر عن تهاجر المسلمين كافة
- ذكر الحث على لزوم الحلم عند الأذى
- ذكر الحث على لزوم الرفق في أمور وكراهية العجلة فيها
- ذكر الحث على تعلم الأدب ولزوم الفصاحة
- ذكر إباحة جمع المال للقائم بحقوقه
- ذكر الحث على إقامة المروءات
- باب الحث على لزوم السخاء ومجانبة البخل
- ذكر الزجر عن ترك قبول الهدايا من الإخوان
- ذكر استحباب التفريج عن الناس بقضاء الحوائج
- ذكر الحث على إعطاء السؤال وطلب المعالي
- ذكر الحث على الضيافة وإطعام الطعام
- ذكر الحث على المجازاة على الصنائع
- ذكر الحث على سياسة الرياسة ورعاية الرعية
- ذكر الدنيا وتقلبها بأهلها
- ذكر الحث على لزوم ذكر الموت وتقديم الطاعات
جزء
التالي
صفحة
السابق
السابق