الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أخبرنا عمر بن عبد الله بن عمر الهجري بالأبلة حدثنا عبد الله بن خبيق ، حدثنا موسى بن طريف قال شعيب بن حرب: قال لي شعبة " عقولنا قليلة، فإذا جلسنا مع من هو أقل عقلا منا ذهب ذلك القليل، وإني لأرى الرجل يجلس [ ص: 25 ] مع من هو أقل عقلا منه فأمقته ".

قال أبو حاتم: أول خصال الخير للمرء في الدنيا العقل، وهو من أفضل ما وهب الله لعباده فلا يجب أن يدنس نعمة الله بمجالسة من هو بضدها قائم.

والواجب على العاقل: أن يكون حسن السمت طويل الصمت، فإن ذلك من أخلاق الأنبياء، كما أن سوء السمت وترك الصمت من شيم الأشقياء.

والعاقل لا يطول أمله; لأن من قوي أمله ضعف عمله، ومن أتاه أجله لم ينفعه أمله.

والعاقل لا يقاتل من غير عدة، ولا يخاصم بغير حجة، ولا يصارع بغير قوة، لأن بالعقل تحيا النفوس، وتنور القلوب، وتمضي الأمور، وتعمر الدنيا.

والعاقل يقيس ما لم ير من الدنيا بما قد رأى، ويضيف مالم يسمع منها إلى ما قد سمع، وما لم يصب منها إلى ما قد أصاب، وما بقي من عمره بما فني، وما لم ينل منها بما قد أوتي، ولا يتكل على المال وإن كان في تمام الحال، لأن المال يحل ويرتحل، والعقل يقيم ولا يبرح، ولو أن العقل شجرة لكانت من أحسن الشجر، كما أن الصبر لو كان ثمرة لكان من أكرم الثمر.

والذي يزداد به العاقل من نماء عقله هو التقرب من أشكاله، والتباعد من أضداده.

ولقد أخبرنا محمد بن المهاجر المعدل ، حدثنا أبو جعفر ابن ابنة أبي سعيد الثعلبي ، حدثنا محمد بن أبي مالك الغزي، قال: سمعت أبي يقول " جالسوا الألباء: أصدقاء كانوا أو أعداء; فإن العقول تلقح العقول ".

قال أبو حاتم: مجالسة العقلاء لا تخلو من أحد معنيين: إما تذكر الحالة [ ص: 26 ] التي يحتاج العاقل إلى الانتباه لها، أو الإفادة بالشيء الخطير الذي يحتاج الجاهل إلى معرفتها.

فقرب العاقل غنم لأشكاله وعبرة لأضداده، على الأحوال كلها.

ولا يجب لمن تسمى به أن يتدلل إلا على من يحتمل دلاله، ويقبل إلا على من يحب إقباله، ولو كان للعقل أبوان لكان أحدهما الصبر، والآخر التثبت.

جعلنا الله ممن ركب فيه حسن وجود العقل، فسلك بتمام النعم مسلك الخصال التي تقربه إلى ربه، في داري الأمد والأبد؟ إنه الفعال لما يريد.

التالي السابق


الخدمات العلمية