قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : العاقل يحسن عند الجفوة، ويغضي عن المجازاة عليها بمثلها.
وقد قيل: إن من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة.
وهو عندي - والله أعلم - غضب لا يخرجه إلى المعاصي، ولا إلى الانتقام من الجاني، كأنه في نفسه يعلم محل الجفوة منه، كما يعقل ورود النعمة عليه، وما [ ص: 171 ] أقبح قدرة اللئيم إذا قدر، ومن أساء سمعا أساء إجابة، ومن أتى المكروه إلى أحد فبنفسه بدأ؛ لأن الشرور تبدو صغارا، ثم تعود كبارا.
ولقد أنبأنا محمد بن سعيد القزاز ، حدثنا محمد بن إدريس الرازي ، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، وإسماعيل بن عبيد الله المخزومي، قالا: حدثنا عبد الأعلى ابن مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: سمعت إسماعيل بن عبيد الله يقول لبنيه: "يا بني، أكرموا من أكرمكم، وإن كان عبدا حبشيا، وأهينوا من أهانكم، وإن كان رجلا قرشيا".
قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : هذا الذي قال إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر: إن استعمله العاقل في الأحوال كلها مع الجاهل فلا ضير، فأما من ارتفع عن حد الجهال، واتضع عن حد العقلاء، فالإغضاء عن مثله في الأوقات أحمد؛ مخافة الازدياد منه، ولأن يصبر المرء على حرارة الجفاء ومرارتها أولى من الانتقام مما يستجلب عليه بما هو أحر وأمر مما مضى؛ لأن من الكلام ما هو أشد من الحجر، وأنفذ من الإبر، وأمر من الصبر. ولقد أحسن الذي يقول:
لقد أسمع القول الذي كاد كلما تذكرنيه النفس قلبي تصدع فأبدي لمن أبداه مني بشاشة
كأني مسرور بما منه أسمع وما ذاك عن عجز به غير أنني
أرى أن ترك الشر للشر أقطع


