الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أنبأنا ابن حوصا ، حدثنا النحاسي ، حدثنا ضمرة ، عن إبراهيم بن أبي علية، قال: رأيت سالم بن عبد الله ، ومحمد بن عبد العزيز يتسايران بأرض الروم، فأبال أحدهما دابته، فأمسك عليه الآخر حتى لحقه.

أنبأنا محمد بن المهاجر ، حدثنا أحمد بن أبي بكر بن خالد اليزيدي ، عن قطبة بن العلاء بن المنهال، قال: سمعت المبارك بن سعيد يقول: سمعت الأعمش يقول: قال الشعبي: إن كرام الناس أسرعهم مودة، وأبطؤهم عداوة، مثل الكوب من الفضة يبطئ الانكسار، ويسرع الانجبار، وإن لئام الناس أبطؤهم مودة، وأسرعهم عداوة، مثل الكوب من الفخار، يسرع الانكسار، ويبطئ الانجبار.

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : الكريم من أعطاه شكره، ومن منعه عذره، ومن قطعه وصله، ومن وصله فضله، ومن سأله أعطاه، ومن لم يسأله ابتدأه، وإذا استضعف أحدا رحمه، وإذا استضعفه أحد رأى الموت أكرم له منه، واللئيم بضد ما وصفنا من الخصال كلها.

ولقد أنبأنا أحمد بن قريش بن عبد العزيز ، حدثنا إبراهيم بن محمد الذهلي ، حدثنا أحمد بن الخليل ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن أبي عيسى قال: كان إبراهيم بن أدهم كريم النفس، يخالط الناس بأخلاقهم، ويأكل معهم، قال: فربما اتخد لهم الشواء، والجواذبات، والخبيص، وربما خلا وأصحابه الذين يأنس بهم فيتصارعون، قال: وكان يعمل عمل رجلين، وكان إذا صار إلى نفسه أكل عجينا.

[ ص: 175 ] قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : أجمع أهل التجارب للدهر، وأهل الفضل في الدين، والراغبون في الجميل: على أن أفضل ما اقتنى الرجل لنفسه في الدنيا، وأجل ما يدخر لها في العقبى هو لزوم الكرم، ومعاشرة الكرام؛ لأن الكرم يحسن الذكر، ويشرف القدر، وهو طباع ركبها الله في بني آدم، فمن الناس من يكون أكرم من أبيه، وربما كان الأب أكرم من ابنه، وربما كان المملوك أكرم من مولاه، ورب مولى أكرم من مملوكه.

ولقد أحسن الذي يقول:


رب مملوك إذا كشفته كان من مولاه أولى بالكرم     فهو ممدوح على أحواله
وترى مولاه يهجى ويذم     وتراه كيف يعلو دائما
وترى مولاه من تحت القدم     وفتى تلقى أباه دونه
وأبا تلقاه أعلى وأتم     من بنيه، ثم لا يعتل إن
طلب المعروف منه بالصمم     وكذلك الناس - فاعلم - ربنا
قدر الأخلاق فيهم وقسم



وأنشدني الأبرش:


رأيت اللين لا يرضى بضيم     لأن الضيم يسخطه الكريم
وإن اللين أكرم كل شيء     فليس يحبه خلق لئيم
فإن نزل الأذى واللين قلبا     فإن اللين يرحل لا يقيم
ويبقى للأذى في القلب صحب     من البغضاء يلبث لا يريم



التالي السابق


الخدمات العلمية