الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أخبرنا محمد بن الحسين بن قتيبة بعسقلان حدثنا ابن أبي السري ، حدثنا داود بن الجراح ، وضمرة بن ربيعة عن خليد بن دعلج قال: سمعت معاوية بن قرة يقول " إن القوم ليحجون ويعتمرون، ويجاهدون ويصلون، ويصومون، وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم ".

سمعت محمد بن محمود بن عدي النسائي يقول: سمعت علي بن خشرم يقول: سمعت حفص بن حميد الأكاف يقول: " العاقل لا يغبن، والورع لا يغبن ".

قال أبو حاتم: هذه لفظة جامعة، تشتمل على معان شتى، فكما لا ينفع الاجتهاد بغير توفيق، ولا الجمال بغير حلاوة، ولا السرور بغير أمن، كذلك لا ينفع العقل بغير ورع، ولا الحفظ بغير عمل، وكما أن السرور تبع للأمن، والقرابة تبع للمودة، كذلك المروءات كلها تبع للعقل.

وعقول كل قوم على قدر زمانهم، فالعاقل يختار من العمر أحسنه وإن قل، فإنه خير من الحياة النكدة وإن طالت، والعقل الموعى - غير المنتفع به - كالأرض الطيبة الخراب.

والعاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يسأل، ولا يكثر التماري إلا عند القبول، ولا يسرع الجواب إلا عند التثبت.

[ ص: 22 ] والعاقل لا يستحقر أحدا; لأن من استحقر السلطان أفسد دنياه، ومن استحقر الأتقياء أهلك دينه، ومن استحقر الإخوان أفنى مروءته، ومن استحقر العام أذهب صيانته.

والعاقل لا يخفى عليه عيب نفسه، لأن من خفي عليه عيب نفسه خفيت عليه محاسن غيره، وإن من أشد العقوبة للمرء أن يخفى عليه عيبه; لأنه ليس بمقلع عن عيبه من لم يعرفه، وليس بنائل محاسن الناس من لم يعرفها، وما أنفع التجارب للمبتدي.

أنشدني المنتصر بن بلال بن المنتصر الأنصاري :


ألم تر أن العقل زين لأهله وأن كمال العقل طول التجارب     وقد وعظ الماضي من الدهر ذا النهى
ويزداد في أيامه بالتجارب



التالي السابق


الخدمات العلمية