[ ص: 1159 ] بسم الله الرحمن الرحيم  
ذكر  الشروط العمرية  وأحكامها وموجباتها  
قال   عبد الله بن الإمام أحمد     : حدثني  أبو شرحبيل الحمصي عيسى بن خالد  قال : حدثني [ عمي ]  أبو اليمان  وأبو  المغيرة  قالا : أخبرنا   إسماعيل بن عياش  ، قال : حدثنا غير واحد من أهل العلم قالوا : كتب  أهل الجزيرة   إلى   عبد الرحمن بن غنم     : " إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا على أنا شرطنا لك على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا كنيسة ، ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا ما كان منها في خطط المسلمين ، وألا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار ، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوسا ، وألا نكتم غشا للمسلمين ، وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا ، ولا نظهر عليها صليبا ، ولا ترفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون ، وألا نخرج صليبا ولا كتابا في سوق المسلمين ، وألا نخرج باعوثا - قال : والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر - ولا شعانين ، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ، ولا نظهر النيران معهم في أسواق      [ ص: 1160 ] المسلمين ، وألا نجاورهم بالخنازير ولا ببيع الخمور ، ولا نظهر شركا ، ولا نرغب في ديننا ولا ندعو إليه أحدا ، ولا نتخذ شيئا من الرقيق الذي جرت عليه سهام المسلمين ، وألا نمنع أحدا من أقربائنا أرادوا الدخول في الإسلام ، وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم ، ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم ، وأن نجز مقادم رءوسنا ، ولا نفرق نواصينا ، ونشد الزنانير على أوساطنا ، ولا ننقش خواتمنا بالعربية ، ولا نركب السروج ، ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله ولا نتقلد السيوف ، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ونرشدهم الطريق ونقوم لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس ، ولا نطلع عليهم في منازلهم ، ولا نعلم أولادنا القرآن ، ولا يشارك أحد منا مسلما في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة ، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من أوسط ما نجد . ضمنا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا ، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا ، وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق " .  
 [ ص: 1161 ] فكتب بذلك   عبد الرحمن بن غنم  إلى   عمر بن الخطاب  رضي الله عنه ،  فكتب إليه  عمر     : " أن أمض لهم ما سألوا ، وألحق فيهم حرفين أشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم : ألا يشتروا من سبايانا [ شيئا ] ، ومن ضرب مسلما [ عمدا ] فقد خلع عهده     " . فأنفذ   عبد الرحمن بن غنم  ذلك ، وأقر من أقام من  الروم   في مدائن  الشام   على هذا الشرط .  
قال  الخلال  في كتاب " أحكام أهل الملل " : " أخبرنا  عبد الله بن أحمد     . . . " فذكره ، وذكر   سفيان الثوري  ، عن  مسروق  ، عن   عبد الرحمن بن غنم  قال : " كتبت   لعمر بن الخطاب  رضي الله عنه حين صالح نصارى  الشام   وشرط      [ ص: 1162 ] عليهم فيه ألا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا ما خرب ، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ، ولا يئوا جاسوسا ، ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه ، وأن يوقروا المسلمين ، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ولا يتكنوا بكناهم ، ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفا ، ولا يبيعوا الخمور ، وأن يجزوا مقادم رءوسهم ، وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا ، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ، ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيا ، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ، ولا يخرجوا شعانين ، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ، ولا يظهروا النيران معهم ، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين . فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم ، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق " .  
 [ ص: 1163 ] وقال  الربيع بن ثعلب     : حدثنا  يحيى بن عقبة بن أبي العيزار  ، عن   سفيان الثوري  ،  والوليد بن نوح  ، [  والسري ] بن مصرف  يذكرون عن   طلحة بن مصرف  ، عن  مسروق  ، عن   عبد الرحمن بن غنم  قال : كتبت   لعمر بن الخطاب  رضي الله عنه حين صالح نصارى  أهل  الشام       : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب  لعبد الله عمر  أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا : إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا ، وشرطنا لكم على أنفسنا ألا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا كنيسة ولا صومعة راهب . . . " فذكر نحوه .  
 [ ص: 1164 ] وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها ، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها ، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على      [ ص: 1165 ] ألسنتهم وفي كتبهم ، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها .  
فذكر  أبو القاسم الطبري     - من حديث  أحمد بن يحيى الحلواني     - حدثنا  عبيد بن [ جناد     ] : حدثنا  عطاء بن مسلم الحلبي  ، عن  صالح المرادي  ، عن  عبد خير  قال :  رأيت  عليا  صلى العصر فصف له  أهل  نجران    صفين ، فناوله رجل منهم كتابا ، فلما رآه دمعت عينه ثم رفع رأسه إليهم قال : " يا  أهل نجران   ، هذا والله خطي بيدي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم " . فقالوا : يا أمير المؤمنين ، أعطنا ما فيه . قال : ودنوت منه فقلت : إن كان رادا على  عمر  يوما فاليوم يرد عليه ! فقال : لست براد على  عمر  شيئا صنعه ، إن  عمر  كان رشيد الأمر ، وإن  عمر  أخذ منكم خيرا مما أعطاكم ، ولم يجر  عمر  ما أخذ منكم إلى نفسه إنما جره لجماعة المسلمين     " .  
 [ ص: 1166 ] وذكر   ابن المبارك  ، عن   إسماعيل بن أبي خالد  ، عن   الشعبي     :  أن  عليا  رضي الله عنه قال  لأهل  نجران       : إن  عمر  كان رشيد الأمر ، ولن أغير شيئا صنعه  عمر     ! .  
وقال   الشعبي     :  قال  علي  حين قدم  الكوفة      : ما جئت لأحل عقدة شدها  عمر     ! .  
 [ ص: 1167 ] وقد تضمن كتاب  عمر  رضي الله عنه هذا جملا من العلم تدور على ستة فصول :  
الفصل الأول : في أحكام البيع والكنائس والصوامع وما يتعلق بذلك .  
الفصل الثاني : في أحكام ضيافتهم للمارة بهم وما يتعلق بها .  
الفصل الثالث : فيما يتعلق بضرر المسلمين والإسلام .  
الفصل الرابع : فيما يتعلق بتغيير لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس وغيره .  
الفصل الخامس : فيما يتعلق بإظهار المنكر من أفعالهم وأقوالهم مما نهوا عنه .  
الفصل السادس : في أمر معاملتهم للمسلمين بالشركة ونحوها .  
				
						
						
