النوع الثامن :  شفاعته في أهل الكبائر من أمته  ، ممن دخل النار ، فيخرجون منها ، وقد تواترت بهذا النوع الأحاديث . وقد خفي علم ذلك على  الخوارج   والمعتزلة   ، فخالفوا في ذلك ، جهلا منهم بصحة الأحاديث ، وعنادا ممن علم ذلك واستمر على بدعته . وهذه الشفاعة تشاركه فيها الملائكة والنبيون والمؤمنون أيضا . وهذه الشفاعة تتكرر منه صلى الله عليه وسلم أربع مرات . ومن أحاديث هذا النوع ، حديث   أنس بن مالك  رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي     . رواه   الإمام أحمد  رحمه الله .  
وروى   البخاري  رحمه الله في كتاب التوحيد : حدثنا   سليمان بن حرب  ، حدثنا   حماد بن زيد  ،  حدثنا  معبد بن هلال العنزي  ، قال :      [ ص: 291 ] اجتمعنا ناس من أهل  البصرة   ، فذهبنا إلى   أنس بن مالك  ، وذهبنا معنا   بثابت البناني  إليه ، يسأله لنا عن حديث الشفاعة ، فإذا هو في قصره ، فوافقناه يصلي الضحى ، فاستأذنا ، فأذن لنا وهو قاعد على فراشه ، فقلنا  لثابت     : لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة ، فقال : يا  أبا حمزة  ، هؤلاء إخوانك من أهل  البصرة   ، جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة ، فقال :  حدثنا  محمد   صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا كان يوم القيامة ، ماج الناس بعضهم في بعض ، فيأتون  آدم   ، فيقولون : اشفع لنا إلى ربك ، فيقول : لست لها ولكن عليكم  بإبراهيم   ، فإنه خليل الرحمن ، فيأتون  إبراهيم   ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم  بموسى   ، فإنه كليم الله ، فيأتون  موسى   ، فيقول : لست لها ، لكن عليكم  بعيسى   ، فإنه روح الله وكلمته ، فيأتون  عيسى   ، فيقول : لست لها ، ولكن عليكم  بمحمد   صلى الله عليه وسلم ، فيأتوني ، فأقول : أنا لها ، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ، ويلهمني محامد أحمده بها ، لا تحضرني الآن ، فأحمده بتلك المحامد ، وأخر له ساجدا ، فيقال : يا  محمد   ، ارفع رأسك ، وقل      [ ص: 292 ] يسمع لك ، واشفع تشفع ، وسل تعط ، فأقول : يا رب أمتي أمتي ، فيقال : انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان ، فأنطلق فأفعل ، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا  محمد   ، ارفع رأسك ، وقل يسمع لك ، واشفع تشفع ، وسل تعط ، فأقول : يا رب أمتي أمتي ، فيقال : انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان ، فأنطلق فأفعل ، ثم أعود بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا  محمد   ، ارفع رأسك ، وقل يسمع لك ، وسل تعط ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ، أمتي أمتي ، فيقول : انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان ، فأخرجه من النار ، فأنطلق فأفعل     . قال : فلما خرجنا من عند  أنس  ، قلت لبعض أصحابنا لو مررنا  بالحسن  ، وهو متوار في منزل  أبي خليفة  ، فحدثناه بما حدثنا به   أنس بن مالك  ، فأتيناه ، فسلمنا عليه ، فأذن لنا ، فقلنا له : يا  أبا سعيد  ، جئناك من عند أخيك   أنس بن مالك  ، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة ، فقال : هيه ؟ فحدثاه بالحديث ، فانتهى إلى هذا الموضع ، فقال : هيه ؟ فقلنا لم يزد لنا على هذا ، فقال : لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة ، فما أدري ، أنسي أم كره أن تتكلوا ؟ فقلنا : يا  أبا سعيد  ، فحدثنا ، فضحك وقال : خلق الإنسان عجولا ! ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم ،      [ ص: 293 ] حديثي كما حدثكم به ، قال :  ثم أعود الرابعة ، فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال : يا  محمد   ، ارفع رأسك ، وقل يسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ، ائذن لي فيمن قال : لا إله إلا الله ، فيقول : وعزتي وجلالي ، وكبريائي وعظمتي ، لأخرجن منها من قال : لا إله إلا الله     . وهكذا رواه  مسلم     .  
وروى   الحافظ أبو يعلى  عن  عثمان  رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء     . وفي الصحيح من حديث  أبي سعيد  رضي الله عنه مرفوعا ، قال :  فيقول الله تعالى : شفعت الملائكة ، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار ، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط  ، الحديث .  
ثم إن  الناس في الشفاعة على ثلاثة أقوال     :  
فالمشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ      [ ص: 294 ] وغيرهم : يجعلون شفاعة من يعظمونه عند الله كالشفاعة المعروفة في الدنيا .  والمعتزلة   والخوارج   أنكروا شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الكبائر . وأما أهل السنة والجماعة ، فيقرون بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر ، وشفاعة غيره ، لكن لا يشفع أحد حتى يأذن الله له ويحد له حدا ، كما في الحديث الصحيح ، حديث الشفاعة :  إنهم يأتون  آدم   ، ثم  نوحا   ، ثم  إبراهيم   ، ثم  موسى   ، ثم  عيسى   ، فيقول لهم  عيسى   عليه السلام : اذهبوا إلى  محمد   ، فإنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فيأتوني ، فأذهب ، فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا ، فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي ، لا أحسنها الآن ، فيقول : أي  محمد   ، ارفع رأسك ، وقل يسمع ، واشفع تشفع ، فأقول : ربي أمتي ، فيحد لي حدا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أنطلق فأسجد ، فيحد لي حدا ذكرها ثلاث مرات     .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					