وإن كان مراده الإقسام على الله ، فذلك محذور أيضا ، لأن  الإقسام بالمخلوق على المخلوق   لا يجوز ، فكيف على الخالق ؟ ! وقد قال صلى الله عليه وسلم :  من حلف بغير الله فقد أشرك     . ولهذا قال  أبو حنيفة  وصاحباه رضي الله عنهم : يكره أن يقول الداعي : أسألك بحق فلان ، أو بحق أنبيائك ورسلك ، وبحق  البيت الحرام   ، والمشعر الحرام ، ونحو ذلك حتى كره  أبو حنيفة  ومحمد  رضي الله عنهما أن  يقول الرجل : اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك   ، ولم يكرهه  أبو يوسف  رحمه الله لما بلغه الأثر فيه .  
 [ ص: 298 ] وتارة يقول : بجاه فلان عندك ،  يقول : نتوسل إليك بأنبيائك ورسلك وأوليائك      . ومراده أن فلانا عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعاءنا . وهذا أيضا محذور ، فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان  الصحابة   يفعلونه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لفعلوه بعد موته ، وإنما كانوا يتوسلون في حياته بدعائه ، يطلبون منه أن يدعو لهم ، وهم يؤمنون على دعائه ، كما في الاستسقاء وغيره . فلما مات صلى الله عليه وسلم  قال  عمر  رضي الله عنه - لما خرجوا يستسقون - : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك      [ ص: 299 ] بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا     . معناه بدعائه هو ربه وشفاعته وسؤاله ، ليس المراد أنا نقسم عليك به ، أو نسألك بجاهه عندك ، إذ لو كان ذلك مرادا لكان جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأعظم من جاه  العباس     .  
وتارة يقول : باتباعي لرسولك ومحبتي له وإيماني به وسائر أنبيائك ورسلك وتصديقي لهم ، ونحو ذلك . فهذا من أحسن ما يكون في الدعاء والتوسل والاستشفاع .  
فلفظ  التوسل بالشخص والتوجه به   فيه إجمال ، غلط بسببه من لم يفهم معناه : فإن أريد به التسبب به لكونه داعيا وشافعا ، وهذا في حياته يكون ، أو لكون الداعي محبا له ، مطيعا لأمره ، مقتديا به ، وذلك أهل للمحبة والطاعة والاقتداء ، فيكون التوسل إما بدعاء الوسيلة وشفاعته ، وإما بمحبة السائل واتباعه ، أو يراد به الإقسام به والتوسل بذاته ، فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه .  
وكذلك السؤال بالشيء ، قد يراد به التسبب به ، لكونه سببا في حصول المطلوب ، وقد يراد به الإقسام به .  
ومن الأول : حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار ، وهو حديث      [ ص: 300 ] مشهور في الصحيحين وغيرهما ، فإن الصخرة انطبقت عليهم ، فتوسلوا إلى الله بذكر أعمالهم الصالحة الخالصة ، وكل واحد منهم يقول : فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون . فهؤلاء : دعوا الله بصالح الأعمال ، لأن  الأعمال الصالحة هي أعظم ما يتوسل به العبد إلى الله   ، ويتوجه به إليه ، ويسأله به ، لأنه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					