فمن  عيوب أهل البدع   تكفير بعضهم بعضا ، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون .  
ولكن بقي هنا إشكال يرد على كلام الشيخ رحمه الله ، وهو : أن  الشارع قد سمى بعض الذنوب كفرا   ، قال الله :  ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون      [ المائدة : 44 ] . وقال صلى الله عليه وسلم :  سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر      . متفق عليه من حديث   ابن مسعود  رضي الله عنه .  
وقال صلى الله عليه وسلم :  لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض     .  
 [ ص: 440 ] و  إذا  قال الرجل لأخيه : يا كافر      - فقد باء بها أحدهما     . متفق عليهما من حديث   ابن عمر  رضي الله عنهما .  
وقال صلى الله عليه وسلم :  أربع من كن فيه كان منافقا خالصا   ، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها . إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر     . متفق عليه من حديث   عبد الله بن عمرو  رضي الله عنهما .  
 [ ص: 441 ] وقال صلى الله عليه وسلم :  لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ،  ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن   ، والتوبة معروضة بعد     . وقال صلى الله عليه وسلم :  بين المسلم وبين الكفر ترك الصلاة      . رواه  مسلم  عن  جابر  رضي الله عنه .  
وقال صلى الله عليه وسلم :  من أتى كاهنا فصدقه ، أو أتى امرأة في دبرها ، فقد كفر بما أنزل على  محمد     .  
وقال صلى الله عليه وسلم :  من حلف بغير الله فقد كفر      . رواه  الحاكم  بهذا اللفظ .  
 [ ص: 442 ] وقال صلى الله عليه وسلم :  ثنتان في أمتي هما كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت     . ونظائر ذلك كثيرة .  
والجواب : أن  أهل السنة   متفقون كلهم على أن  مرتكب الكبيرة لا يكفر   كفرا ينقل عن الملة بالكلية ، كما قالت  الخوارج   ،   إذ لو كفر كفرا ينقل عن الملة لكان مرتدا يقتل على كل حال ، ولا يقبل عفو ولي القصاص ، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر ! وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام .  
ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام ، ولا يدخل في الكفر ، ولا يستحق الخلود مع الكافرين ، كما قالت  المعتزلة       . فإن قولهم باطل أيضا ، إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين ، قال تعالى :  ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى      [ البقرة : 178 ] إلى أن قال :  فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف      [ البقرة : 178 ] . فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا ، وجعله أخا لولي القصاص ، والمراد أخوة الدين بلا ريب . وقال تعالى :  وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما      [ الحجرات : 9 ] إلى أن قال :  إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم      [ الحجرات : 10 ] .  
 [ ص: 443 ] ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل ، بل يقام عليه الحد ، فدل على أنه ليس بمرتد .  
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  من كانت عنده لأخيه اليوم مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم ، قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ، ثم ألقي في النار     . أخرجاه في ( ( الصحيحين ) ) .  
فثبت أن الظالم يكون له حسنات يستوفي المظلوم منها حقه . وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  ما تعدون المفلس فيكم ؟ قالوا : المفلس فينا من لا له درهم ولا دينار ، قال : المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال ، قد شتم هذا ، وأخذ مال هذا ، وسفك دم هذا ، وقذف هذا ، وضرب هذا ، فيقتص هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار     . رواه  مسلم     .  
وقد قال تعالى :  إن  الحسنات يذهبن السيئات     [ ص: 444 ]    [ هود : 114 ] . فدل ذلك على أنه في حال إساءته يعمل حسنات تمحو سيئاته . وهذا مبسوط في موضعه .  
والمعتزلة   موافقون  للخوارج   هنا في حكم الآخرة ، فإنهم وافقوهم على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار ، لكن قالت  الخوارج      . نسميه كافرا ، وقالت  المعتزلة      : نسميه فاسقا ، فالخلاف بينهم لفظي فقط .  
وأهل السنة   أيضا متفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب ، كما وردت به النصوص . لا كما يقوله  المرجئة    من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب ، ولا ينفع مع الكفر طاعة !  وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلت بها  المرجئة ،   ونصوص الوعيد التي استدلت بها  الخوارج   والمعتزلة      - : تبين لك فساد القولين      ! ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فساد مذهب الطائفة الأخرى .  
				
						
						
