منه : قول رضي الله عنه : من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه ، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينتقص ، وكان أبي الدرداء عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه : هلموا نزدد إيمانا ، [ ص: 482 ] فيذكرون الله عز وجل .
وكان رضي الله عنه يقول في دعائه : اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها . ابن مسعود
وكان رضي الله عنه يقول لرجل : اجلس بنا نؤمن ساعة . ومثله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه . عبد الله بن رواحة
وصح عن رضي الله عنه أنه قال : ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان : إنصاف من نفسه ، والإنفاق من إقتار ، وبذل السلام للعالم ، ذكره عمار بن ياسر رحمه الله في صحيحه . وفي هذا المقدار كفاية وبالله التوفيق . البخاري
[ ص: 483 ] وأما كون عطف العمل على الإيمان يقتضي المغايرة ، فلا يكون العمل داخلا في مسمى الإيمان - : فلا شك أن الإيمان تارة يذكر مطلقا عن العمل وعن الإسلام ، وتارة يقرن بالعمل الصالح ، وتارة يقرن بالإسلام . فالمطلق مستلزم للأعمال ، قال تعالى : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية [ الأنفال : 2 ] . " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا الآية [ الحجرات : 15 ] . ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء [ المائدة : 81 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ، الحديث . لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
. لا تؤمنوا حتى تحابوا
. من حمل علينا السلاح فليس منا . من غشنا فليس منا
[ ص: 484 ] وما أبعد قول من قال : إن معنى قوله : فليس منا - أي فليس مثلنا ! فليت شعري فمن لم يغش يكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟
أما إذا عطف عليه العمل الصالح ، فاعلم أن عطف الشيء على الشيء يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع الاشتراك في الحكم الذي ذكر لهما ، والمغايرة على مراتب :
أعلاها : أن يكونا متباينين ، ليس أحدهما هو الآخر ، ولا جزءا منه ، ولا بينهما تلازم ، كقوله تعالى : خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور [ الأنعام : 1 ] . وأنزل التوراة والإنجيل [ آل عمران : 3 ] . وهذا هو الغالب .
ويليه : أن يكون بينهما تلازم ، كقوله تعالى : ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون [ البقرة : 42 ] . وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول [ المائدة : 92 ] .
الثالث : عطف بعض الشيء عليه ، كقوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ البقرة : 238 ] . من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال [ البقرة : 98 ] وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك [ الأحزاب : 7 ] .
وفي مثل هذا وجهان :
أحدهما : أن يكون داخلا في الأول ، فيكون مذكورا مرتين .
والثاني : أن عطفه عليه يقتضي أنه ليس داخلا فيه هنا ، وإن كان [ ص: 485 ] داخلا فيه منفردا ، كما قيل مثل ذلك في لفظ الفقراء والمساكين ونحوهما ، تتنوع دلالته بالإفراد والاقتران .
الرابع : عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين ، كقوله تعالى : غافر الذنب وقابل التوب [ غافر : 3 ] . وقد جاء في الشعر العطف لاختلاف اللفظ فقط ، كقوله :
فألفى قولها كذبا ومينا
ومن الناس من زعم أن في القرآن من ذلك قوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا [ المائدة : 48 ] . والكلام على ذلك معروف في موضعه .فإذا كان العطف في الكلام يكون على هذه الوجوه ، نظرنا في كلام الشارع : كيف ورد فيه الإيمان فوجدناه إذا أطلق يراد به ما يراد بلفظ البر ، والتقوى ، والدين ، ودين الإسلام .
ذكر في أسباب النزول أنهم سألوا عن الإيمان ؟ فأنزل الله هذه الآية : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآيات [ البقرة : 177 ] .
قال : حدثنا محمد بن نصر إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، والملائي ، قالا : حدثنا المسعودي ، عن القاسم ، قال : [ ص: 486 ] جاء رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه ، فسأله عن الإيمان ؟ فقرأ : ليس البر أن تولوا وجوهكم إلى آخر الآية [ البقرة : 177 ] ، فقال الرجل : ليس عن هذا سألتك ، فقال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه ، فقرأ عليه الذي قرأت عليك ، فقال له الذي قلت لي ، فلما أبى أن يرضى ، قال : إن المؤمن الذي إذا عمل الحسنة سرته ورجا ثوابها ، وإذا عمل السيئة ساءته وخاف عقابها . وكذلك أجاب جماعة من السلف بهذا الجواب .
وفي الصحيح قوله لوفد عبد القيس : آمركم بالإيمان بالله وحده ، شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن تؤدوا الخمس من المغنم . أتدرون ما الإيمان بالله ؟
ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيمانا بالله بدون إيمان القلب ، لما قد أخبر في مواضع أنه لا بد من إيمان القلب ، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان .
[ ص: 487 ] وأي دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل ؟ فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق ، للعلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحود .