فالحاصل أن  حالة اقتران الإسلام بالإيمان غير حالة إفراد أحدهما عن الآخر   ، فمثل الإسلام من الإيمان ، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى ، فشهادة الرسالة غير شهادة الوحدانية ، فهما شيئان في الأعيان وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم ، كشيء واحد . كذلك الإسلام والإيمان ، لا إيمان لمن لا إسلام له ، ولا إسلام لمن لا إيمان له ، إذ لا يخلو المؤمن من إسلام به يتحقق إيمانه ، ولا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه .  
ونظائر ذلك في كلام الله ورسوله وفي كلام الناس كثيرة ، أعني في الإفراد والاقتران .  
منها : لفظ الكفر والنفاق ، فالكفر إذا ذكر مفردا في وعيد الآخرة دخل فيه المنافقون ، كقوله تعالى :  ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين      [ المائدة : 5 ] . ونظائره كثيرة . وإذا قرن بينهما كان الكافر من أظهر كفره ، والمنافق من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه .  
وكذلك لفظ البر والتقوى ، ولفظ الإثم والعدوان ، ولفظ التوبة والاستغفار ، ولفظ الفقير والمسكين ، وأمثال ذلك .  
ويشهد للفرق بين الإسلام والإيمان ، قوله تعالى :  قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا      [ الحجرات : 14 ] إلى آخر السورة . وقد اعترض على هذا بأن معنى الآية :  قولوا أسلمنا      : انقدنا بظواهرنا ، فهم منافقون في الحقيقة ، وهذا أحد قولي المفسرين في هذه الآية الكريمة . وأجيب بالقول الآخر ، ورجح ، وهو أنهم ليسوا بمؤمنين      [ ص: 491 ] كاملي الإيمان ، لا أنهم منافقون ، كما نفى الإيمان عن القاتل ، والزاني ، والسارق ، ومن لا أمانة له . ويؤيد هذا سباق الآية وسياقها ، فإن السورة من أولها إلى هنا في النهي عن المعاصي ، وأحكام بعض العصاة ، ونحو ذلك ، وليس فيها ذكر المنافقين . ثم قال بعد ذلك :  وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا      [ الحجرات : 14 ] ولو كانوا منافقين ما نفعتهم الطاعة ، ثم قال :  إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا      [ الحجرات : 15 ] الآية ، يعني - والله أعلم - أن المؤمنين الكاملي الإيمان ، هم هؤلاء ، لا أنتم ، بل أنتم منتف عنكم الإيمان الكامل . يؤيد هذا : أنه أمرهم ، أو أذن لهم ، أن يقولوا : أسلمنا ، والمنافق لا يقال له ذلك ، ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلام ، كما نفى عنهم الإيمان ، ونهاهم أن يمنوا بإسلامهم ، فأثبت لهم إسلاما ، ونهاهم أن يمنوا به على رسوله ، ولو لم يكن إسلاما صحيحا لقال : لم تسلموا ، بل أنتم كاذبون ، كما كذبهم في قولهم :  نشهد إنك لرسول الله      [ المنافقون : 1 ] . والله أعلم بالصواب .  
وينتفي بعد هذا التقدير والتفصيل دعوى الترادف ، وتشنيع من ألزم بأن الإسلام لو كان هو الأمور الظاهرة لكان ينبغي أن لا يقبل ذلك ،      [ ص: 492 ] ولا يقبل إيمان المخلص ! وهذا ظاهر الفساد ، فإنه قد تقدم تنظير الإيمان والإسلام بالشهادتين وغيرهما ، وأن حالة الاقتران غير حالة الانفراد . فانظر إلى كلمة الشهادة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله  ، الحديث ، فلو قالوا : لا إله إلا الله ، وأنكروا الرسالة - : ما كانوا يستحقون العصمة ، بل لا بد أن يقولوا : لا إله إلا الله قائمين بحقها ، ولا يكون قائما بـ لا إله إلا الله حق القيام ، إلا من صدق بالرسالة ، وكذا من شهد أن محمدا رسول الله ، [ لا يكون قائما بهذه الشهادة حق القيام ، إلا من صدق هذا الرسول في كل ما جاء به . فانتظمت التوحيد وإذا ضمت شهادة أن لا إله إلا الله إلى شهادة أن محمدا رسول الله - كان المراد من شهادة أن لا إله إلا الله إثبات التوحيد ، ومن شهادة أن محمدا رسول الله إثبات الرسالة . كذلك الإسلام والإيمان : إذا قرن أحدهما بالآخر ، كما في قوله تعالى :  إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات      [ الأحزاب : 35 ] . وقوله صلى الله عليه وسلم :  اللهم لك أسلمت وبك آمنت     - : كان المراد من أحدهما غير المراد من الآخر . وكما قال صلى الله عليه وسلم :  الإسلام علانية ، والإيمان في القلب     . وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه ، وكما في الفقير والمسكين ونظائره ، فإن لفظي الفقير والمسكين إذا اجتمعا ،      [ ص: 493 ] افترقا ، فهل يقال في قوله تعالى :  إطعام عشرة مساكين      [ المائدة : 89 ] - أنه يعطى المقل دون المعدم ، أو بالعكس ؟ وكذا في قوله تعالى :  وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم      [ البقرة : 271 ] .  
ويندفع أيضا تشنيع من قال : ما حكم من آمن ولم يسلم ؟ أو أسلم ولم يؤمن ؟ في الدنيا والآخرة ؟ فمن أثبت لأحدهما حكما ليس بثابت للآخر ظهر بطلان قوله .  
ويقال له في مقابلة تشنيعه : أنت تقول : المسلم هو المؤمن ، والله تعالى يقول :  إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات      [ الأحزاب : 35 ] فجعلهما غيرين ، وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم :  ما لك عن فلان والله إني لأراه مؤمنا ؟ قال : أو مسلما  ، قالها ثلاثا ، فأثبت له الإسلام وتوقف في اسم الإيمان ، فمن قال : هما سواء - كان مخالفا ، والواجب رد موارد النزاع إلى الله ورسوله . وقد يتراءى في بعض النصوص معارضة ، ولا معارضة بحمد الله تعالى ، ولكن الشأن في التوفيق ، وبالله التوفيق .  
وأما الاحتجاج بقوله تعالى :  فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين   فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين      [ الذاريات : 35 - 36 ] على ترادف الإسلام والإيمان ، فلا حجة فيه ، لأن البيت المخرج كانوا موصوفين بالإسلام والإيمان ، ولا يلزم من الاتصاف بهما ترادفهما .  
 [ ص: 494 ] والظاهر أن هذه المعارضات لم تثبت عن  أبي حنيفة  رضي الله عنه ، وإنما هي من الأصحاب ، فإن غالبها ساقط لا يرتضيه  أبو حنيفة     ! وقد حكى   الطحاوي  حكاية  أبي حنيفة  مع   حماد بن زيد ،  وأن   حماد بن زيد  لما روى له حديث : أي الإسلام أفضل إلى آخره ، قال له : ألا تراه يقول : أي الإسلام أفضل ، قال : الإيمان ، ثم جعل الهجرة والجهاد من الإيمان ؟ فسكت  أبو حنيفة ،  فقال بعض أصحابه : ألا تجيبه يا  أبا حنيفة ؟  قال : بما أجيبه ؟ وهو يحدثني بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					