الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة

ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

صفحة جزء
[ ص: 157 ] بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يحيط العاد لنعمائه بطرف ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرار من لاح له الهدى فعرف ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، منتهى الكرم والشرف ، صلى الله [وسلم] عليه ، وعلى آله وصحبه ومن قفا أثرهم ، ومن بحار علومهم اغترف .

أما بعد :

فقد أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الحاكم ، أن عمر بن حسين أخبرهم ، قال : أنا أبو الفرج ابن نصر ، أنا أبو طاهر ابن المعطوش ، أنا الحافظ أبو البركات ابن الأنماطي ، أنا أبو محمد الخطيب ، أنا عمر بن إبراهيم الكتاني ، [ ص: 158 ] ثنا أبو القاسم البغوي ، ثنا أبو خيثمة في " كتاب العلم " له : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : لا بأس بكتابة الأطراف .

وهذا الأثر إسناده صحيح ، وهو موقوف على إبراهيم بن يزيد النخعي أحد فقهاء التابعين ، وعنى بذلك ما كان السلف يصنعونه من كتابة أطراف الأحاديث ؛ ليذاكروا بها الشيوخ فيحدثوهم بها .

قال ابن أبي خيثمة في " تاريخه " : حدثنا مسدد ، ثنا حماد بن زيد ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، قال : كنت ألقى عبيدة - هو ابن عمرو السلماني - بالأطراف .

إسناده صحيح أيضا .

ثم صنف الأئمة في ذلك تصانيف قصدوا بها ترتيب الأحاديث وتسهيلها على من يروم كيفية مخارجها .

فمن أول من صنف في ذلك : خلف الواسطي ، جمع أطراف الصحيحين ، وأبو مسعود الدمشقي جمعهما أيضا ، وعصرهما متقارب ، وصنف الداني أطراف الموطأ ، ثم جمع أبو الفضل ابن طاهر أطراف السنن ، وهي لأبي داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه ، وأضافها إلى أطراف الصحيحين .

ثم تتبع الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أوهامه في ذلك ، وأفرد أطراف الأربعة ، ثم جمع الستة أيضا المحدث قطب الدين القسطلاني ، ثم الحافظ أبو الحجاج المزي ، وقد كثر النفع به .

ثم إني نظرت فيما عندي من المرويات فوجدت فيها عدة تصانيف قد التزم مصنفوها الصحة ، فمنهم من تقيد بالشيخين كالحاكم ، ومنهم من لم يتقيد كابن حبان ، والحاجة ماسة إلى الاستفادة منها ، فجمعت أطرافها على طريقة الحافظ أبي [ ص: 159 ] الحجاج المزي وترتيبه ، إلا أني أسوق ألفاظ الصيغ في الإسناد غالبا ؛ لتظهر فائدة ما يصرح به المدلس ، ثم إن كان حديث التابعي كثيرا رتبته على أسماء الرواة عنه غالبا ، وكذا الصحابي المتوسط ، وجعلت لها رقوما أبينها :

فللدارمي - وقد أطلق عليه الحافظ المنذري اسم " الصحيح " ، فيما نقله الشيخ علاء الدين مغلطاي فيما رأيته بخطه - : مي .

ولابن خزيمة - خز ، ولم أقف منه إلا على ربع العبادات بكماله ، ومواضع مفرقة من غيره .

ولابن الجارود - وقد سماه ابن عبد البر وغيره : " صحيحا " - : جا ، وهو في التحقيق مستخرج على صحيح ابن خزيمة باختصار .

ولأبي عوانة - وهو في الأصل كالمستخرج على مسلم ، لكنه زاد فيه زيادات كثيرة جدا من الطرق المفيدة ، بل ومن الأحاديث المستقلة - : (عه) .

ولابن حبان : حب .

وللحاكم أبي عبد الله في " المستدرك " : كم .

ثم أضفت إلى هذه الكتب الستة أربعة كتب أخرى ، وهي : " الموطأ " لمالك ، و" المسند " للشافعي ، و" المسند " للإمام أحمد ، و" شرح معاني الآثار " للطحاوي ؛ لأني لم أجد عن أبي حنيفة مسندا يعتمد عليه .

[ ص: 160 ] فلما صارت هذه عشرة كاملة أردفتها بـ " السنن " للدارقطني ؛ جبرا لما فات من الوقوف على جميع صحيح ابن خزيمة .

وجعلت للطحاوي : طح .

وللدارقطني : قط .

فإن أخرجه الثلاثة الأول أفصحت بذكرهم ، أعني : مالكا ، والشافعي ، وأحمد .

وهذه المصنفات قل أن يشذ عنها شيء من الأحاديث الصحيحة ، لا سيما في الأحكام إذا ضم إليها أطراف المزي .

وقد ذكرت أسانيدي إلى أصحاب التصانيف المذكورين بتصانيفهم المذكورة : فأما " الدارمي " : فأخبرنا به الشيخ الإمام المسند المقرئ : أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد التنوخي البعلي ، سماعا عليه بالقاهرة .

وأخبرنا بمعظمه أبو العباس أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الدمشقي بها ، قالا : أنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن أبي النعم الصالحي ، أنا عبد الله بن عمر بن علي بن اللتي سماعا عليه ، سوى من باب " اغتسال الحائض " إلى باب " النهي عن التشبيك " فإجازة منه ، ومن محمد بن مسعود بن بهروز وغيره ، قالوا : أنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى الهروي ، أنا أبو الحسن عبد الرحمن بن المظفر [ ص: 161 ] الداودي ، أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أعين ، أنا عيسى بن عمر بن العباس السمرقندي ، أنا الإمام أبو محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي .

وأما " صحيح ابن خزيمة " : فوقع لي قطع مسموعة قرأتها على العماد أبي بكر بن إبراهيم الفرضي بصالحية دمشق ، عن أبي عبد الله بن أبي الهيجاء بن الزراد ، أنا الحافظ الحسن بن محمد بن محمد البكري ، (.....) أنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي ، أنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا المشايخ : أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي ، وأبو سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ ، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن يحيى المقرئ - مفرقا - قالوا : أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن خزيمة ، أنا جدي إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري .

وقد بينت ما ليس مسموعا منه عند كل حديث .

[ ص: 162 ] وأما " المنتقى " لابن الجارود : فأخبرنا به أبو حيان محمد بن حيان ابن العلامة أثير الدين أبي حيان إجازة مشافهة ، عن جده ، أنا أبو علي بن أبي الأحوص مشافهة ، عن أبي القاسم بن بقي ، عن شريح بن محمد الرعيني ، أنا عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن خزرج ، أنا عبد الرحمن بن مروان القنازعي ، أنا الحسن بن يحيى القلزمي ، عنه .

وأما " صحيح أبي عوانة " : فقرأت الكثير منه على الحافظ أبي الفضل بن الحسين ، أنا عبد الله بن محمد ابن القيم ، أنا أبو الحسن ابن البخاري ، عن القاسم .

[ ص: 163 ] ح وقرأت كثيرا منه أيضا يقرب من ربع الكتاب على أبي الطاهر محمد بن محمد الربعي ، عن أبي الحسن علي ابن عبد العزيز بن عبد الحارثي ، أنا عمر بن محمد الكرماني ، أنا القاسم بن عبد الله بن عمر الصفار ، أنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري ، أنا عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري ، أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني ، أنا خال أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني .

ح وأخبرني بجميعه أحمد بن أبي بكر المقدسي مكاتبة .

وقرأت " منتقى الذهبي " منه في جزء ضخم كله عوال وموافقات على أبي بكر الفرائضي ، وأجازني باقيه ، عن أبي عبد الله بن الزراد ، أنا الحافظ أبو علي البكري ، أنا القاسم الصفار بتمامه .

والذي دخل في مسموعي على شيخي الأولين منه : الصيد إلا يسيرا من أوله ، والذبائح والأضاحي ، والأطعمة ، والأشربة ، واللباس ، والحلي ، والتسمية ، والاستئذان ، والرقى ، والطب ، وفضائل الأنبياء ، ومناقب الصحابة ، والبر والصلة ، والقدر ، والعلم ، وقطعة من الدعوات .

وأما " صحيح ابن حبان " : فقرأت الأقسام الثلاثة الأول منه على إبراهيم بن [ ص: 164 ] أحمد التنوخي ، وسمعت القسمين الأخيرين منه على خديجة بنت إبراهيم بن إسحاق بن سلطان ، كلاهما عن أبي عبد الله ابن الزراد ، أنا الحافظ أبو علي البكري ، أنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي ، أنا تميم بن أبي سعيد الجرجاني ، أنا أبو الحسن علي بن محمد البحاثي ، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون الزوزني ، أنا أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي .

وأما (المستدرك) للحاكم : فأخبرنا به أبو علي محمد بن أحمد بن علي الفاضلي إجازة مشافهة ، عن يونس بن أبي إسحاق العسقلاني ، عن أبي الحسن بن الحسين بن علي البغدادي ، عن أبي الفضل أحمد الميهني ، وأبي الفضل محمد بن ناصر ، كلاهما عن أبي بكر أحمد بن علي الشيرازي ، عن الحاكم .

وأما " الموطأ " للإمام مالك : فأخبرنا به أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن قوام البالسي بالصالحية ، أنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن هلال ، ومحمد بن [ ص: 165 ] محمد بن عمر العسقلاني ، قالا : أنا إبراهيم بن عمر بن مضر ، أنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي ، أنا هبة الله بن سهل السيدي ، أنا سعيد بن محمد البحيري ، أنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي ، أنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، وفي بعضه لبعض من ذكر فوت معروف .

وقرأته من طريق أخرى على إبراهيم بن أحمد البعلي ، عن إسماعيل بن يوسف بن مكتوم ، أنا مكرم بن أبي الصقر ، أنا حمزة بن أحمد بن فارس ، أنا نصر بن إبراهيم الفقيه ، أنا محمد بن جعفر الميماسي ، أنا [ ص: 166 ] محمد بن العباس بن وصيف ، أنا الحسن بن الفرج الغزي ، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، أنا مالك ، وفات الميماسي من كتاب (الرهن) إلى آخر الكتاب سماعا فرواه [عن] ابن وصيف بالإجازة .

وأما " المسند " للإمام الشافعي : فأخبرنا بجميعه أبو الحسن علي بن أبي المجد ، وبأكثره أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي الزفتاوي ، كلاهما عن ست الوزراء بنت عمر بن أسعد ، أنا الحسين بن أبي بكر ، أنا أبو زرعة طاهر بن أبي الفضل محمد بن طاهر ، أنا مكي بن محمد ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي .

وأما " المسند " للإمام أحمد : فأخبرني بجميعه أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي الأزهري بقراءتي عليه ، قال : أخبرنا بأكثره أبو العباس أحمد بن محمد بن عمر [ ص: 167 ] الحلبي ، أنا أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم بن علي الحراني ، أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن صاعد الحربي ، أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد الكاتب ، أنا أبو علي الحسن بن علي الواعظ ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي وغيره .

وقرأت " مسند " جابر منه على الإمام أبي الحسن بن صالح ، قال : أنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري ، أنا المسلم بن محمد بن علان ، أنا حنبل بن عبد الله ، أنا أبو القاسم المذكور .

[ ص: 168 ] وأما " شرح معاني الآثار " للطحاوي : فأخبرني به الشيخ أبو إسحاق التنوخي إذنا في آخرين ، قالوا : أنا محمد بن أبي بكر بن النحاس ، إجازة ، عن محمد بن سعد المقدسي ، إجازة إن لم يكن سماعا ، عن أبي موسى المديني ، أنا إسماعيل بن الفضل ، أنا منصور بن الحسين ، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي المقرئ ، عنه .

وأما " السنن للدارقطني : فأخبرني به المسند الصالح القدوة الأصيل بدر الدين محمد بن محمد بن محمد بن قوام ، وعمر بن محمد البالسي ، سماعا وقراءة على الأول من أوله إلى كتاب الجمعة ، وعلى الثاني لجميع الكتاب ، قالا : أنا أبو بكر بن أحمد بن أبي محمد بن عبد الرزاق المغاري الدقاق ، أنا أبو الحسن ابن البخاري ، أنا عبد الله بن عمر الصفار ، إجازة ، أنا الفضل بن محمد الأبيوردي ، أنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد النوقاني ، سماعا عليه [ ص: 169 ] لجميعه سوى من حديث ابن مسعود في التشهد من رواية الحسن بن مكرم ، عن شبابة ، إلى حديث جابر في الجمعة : " إذا جاء أحدكم والإمام يخطب "  من رواية أحمد بن سنان ، وعن وهب بن جرير ، بسماع النوقاني من الدارقطني .

ولأبي بكر شيخ شيخينا في هذا الكتاب عن الفخر أسانيد أخر لا حاجة إلى التطويل بها .

وأخبرني بجميعه عاليا الشيخ بدر الدين المذكور ، قراءة عليه بالسند خاصة ، عن أحمد بن أبي طالب ، عن أبي الحسن القطيعي ، عن أبي الكرم الشهرزوري ، عن أبي الحسين بن المهتدي ، عن الدارقطني .

وسميت هذا الكتاب : " إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة " .

وهذا حين الشروع فيما إليه قصدت ، والاعتماد فيما أردت من ذلك على من عليه اعتمدت ، وهو الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت وإليه أنيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية