الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر ابنه سليمان وما أعطاه من الخير والكرامة، فقال: ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير  يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور  

                                                                                                                                                                                                                                      ولسليمان الريح قال الفراء : نصب الريح على وسخرنا لسليمان الريح، ورفع عاصم لما لم يظهر التسخير على معنى وله تسخير الريح، فالرفع يؤول إلى معنى النصب، وقوله: غدوها شهر ورواحها شهر أي: سير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر، ورواحها شهر، والمعنى أنها كانت تسير في اليوم مسيرة شهرية للراكب.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن : تعدو من دمشق فتقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم تروح من اصطخر فتبيت بكابل ، وبينهما مسيرة شهر للمسرع.

                                                                                                                                                                                                                                      وأسلنا له عين القطر أذبنا له عين النحاس، قال المفسرون: أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء، وإنما يعمل الناس اليوم مما أعطي سليمان ، والقطر النحاس الذائب، ومن الجن من يعمل [ ص: 489 ] بين يديه بإذن ربه أي: بأمر ربه، قال ابن عباس : سخرهم الله لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يزغ، يعدل منهم من الجن، عن أمرنا له بطاعة سليمان ، نذقه من عذاب السعير في الآخرة، وهو أن الله تعالى وكل ملكا بيده سوط من نار، فمن زاغ عن طاعة سليمان ضربه ضربة أحرقته، والمفسرون على أن هذه الإذاقة من عذاب السعير في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      يعملون له لسليمان ، ما يشاء من محاريب من الأبنية الرفيعة والقصور، قال المفسرون: فبنوا له الأبنية العجيبة باليمن : صرواح، ومرواح، وقلثون، وهندة، وهنيدة، وقلثوم، وعمدان، وبيتون، وهذه حصون باليمن عملتها الشياطين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وتماثيل جمع تمثال، وهو كل شيء مثلته بشيء، يعني صورا من نحاس وزجاج ورخام، كانت الجن تعملها، قالوا: وهي صور الأنبياء والملائكة، كانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة، وهذا يدل على أن التصوير كان مباحا في ذلك الزمان.

                                                                                                                                                                                                                                      وجفان جمع جفنة، وهي القصعة الكبيرة، كالجوابي جمع الجابية وهي الحوض الكبير، يجبي الماء، أي يجمعه، قال المفسرون: يعني قصاعا في العظم كحياض الإبل يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها، وقدور راسيات ثابتات لها قوائم لا يخرجن عن أماكنها وكانت بأرض تتخذ من الجبال، ثم قال: اعملوا آل داوود شكرا أي: وقلنا اعملوا بطاعة الله آل داوود شكرا له على ما آتاكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقليل من عبادي الشكور العامل بطاعتي شكرا لنعمتي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية