الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم  إنا جعلناها فتنة للظالمين  إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم  طلعها كأنه رءوس الشياطين  فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون  ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم  ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم  إنهم ألفوا آباءهم ضالين  فهم على آثارهم يهرعون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أذلك الذي ذكره، خير نزلا قال الزجاج : أذلك خير في باب الأنزال التي يتقوت بها، أم نزل أهل النار؟ وهو قوله: أم شجرة الزقوم وهو ما يكره تناوله، والذي أراد الله هو شيء مر كريه يكره تناوله، وأهل النار يكرهون على تناوله، فهم يتزقمونه على أشد كراهة، قال قتادة : لما ذكر الله هذه الشجرة بها الظلمة، فقالوا: كيف تكون في النار شجرة والنار تأكلها؟ فأنزل الله: إنا جعلناها فتنة للظالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : خبره لهم افتتنوا بها وكذبوا بكونها.

                                                                                                                                                                                                                                      إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم قال الحسن : أصلها في قعر جهنم، وأعضاؤها ترفع إلى دركاتها. "طلعها" ثمرها، كأنه رءوس الشياطين لقبحه، والشياطين موصوفة بالقبح وإن كانت لا ترى،  والشيء إذا استقبح شبه بها، فيقال: كأنه شيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      فإنهم لآكلون منها أي: ثمرها، فمالئون منها البطون وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم إن لهم عليها لشوبا لخلطا ومزاجا، من حميم يعني أنهم إذا أكلوا الزقوم شربوا عليها الحميم، وهو الماء الحار، فيشوب الحميم في بطونهم الزقوم، فيصير شوبا.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم إن مرجعهم بعد شرب الحميم وأكل الزقوم، لإلى الجحيم؛ وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج من الجحيم، [ ص: 527 ] كما تورد الإبل الماء، ثم يردون إلى الجحيم، ويدل على صحة ما ذكرنا قوله: يطوفون بينها وبين حميم آن .

                                                                                                                                                                                                                                      إنهم ألفوا وجدوا، آباءهم ضالين عن الهدى. فهم على آثارهم يهرعون يسعون في مثل أعمال آبائهم، قال الكلبي : يعملون مثل عملهم، وقال ابن عباس ، وقتادة : يسرعون، قال الزجاج : يتبعون آباءهم اتباعا في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم يقال: هرع الرجل وأهرع إذا استحث فأسرع.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية