الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم  الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لا إكراه في الدين قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم: معنى الآية: لا إكراه في الدين بعد إسلام العرب، وذلك أن العرب كانت أمة أمية، لم يكن لهم دين ولا كتاب، فلم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأكرهوا على الإسلام، ولم تقبل منهم الجزية، فلما أسلموا ولم يبق منهم أحد إلا دخل في الإسلام طوعا أو كرها أنزل الله هذه الآية، فلا يكره على الإسلام أهل الكتاب، فإذا أقروا بالجزية تركوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قد تبين الرشد من الغي أي: ظهر الإيمان من الكفر، والهدى من الضلالة، بكثرة الحجج والآيات الدالة.

                                                                                                                                                                                                                                      والرشد: إصابة الحق، ويراد ها هنا: الإيمان، من الغي يقال: غوى يغوي غيا وغواية، إذا سلك خلاف طريق الرشد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فمن يكفر بالطاغوت قال جميع أهل اللغة: الطاغوت: كل ما عبد من دون الله،  يكون واحدا وجمعا، ومؤنثا ومذكرا، وهو في الأصل مصدر نحو الرغبوت والرهبوت.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس والمفسرون: "الطاغوت": الشيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الأصنام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فقد استمسك بالعروة الوثقى استمسك بالشيء: إذا تمسك به، والعروة: جمعها عرى، وهي نحو عروة الدلو الكوز، و "الوثقى": تأنيث الأوثق.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 370 ] قال عطاء، عن ابن عباس: العروة الوثقى: شهادة أن لا إله إلا الله وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق وصدق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد: هي الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا انفصام لها الفصم: كسر الشيء من غير إبانة، يقال: فصمته فانفصم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: لا انقطاع لها دون رضا الله ودخول الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      والله سميع لدعائك يا محمد بإسلام أهل الكتاب، عليم بحرصك واجتهادك.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: الله ولي الذين آمنوا أي: معينهم وناصرهم ومتولي أمورهم، والذي يقرب منهم بالعون والنصرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يخرجهم من الظلمات إلى النور أي: من الكفر والضلال إلى الإيمان والهداية، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يعني: رؤساء الضلالة، مثل كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، يخرجونهم من النور إلى الظلمات يعني اليهود، وكانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، لما يجدونه في كتابهم، فلما بعث جحدوه وكفروا به.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: كان قوم آمنوا بعيسى وقوم كفروا به، فلما بعث الله محمدا آمن به الذين كفروا بعيسى، وكفر به الذين آمنوا بعيسى، فقال الله تعالى: الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور من كفر بعيسى إلى إيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات قال: من إيمان بعيسى إلى كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 371 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية