الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قد أفلح من تزكى  وذكر اسم ربه فصلى  بل تؤثرون الحياة الدنيا  والآخرة خير وأبقى  إن هذا لفي الصحف الأولى  صحف إبراهيم وموسى  

                                                                                                                                                                                                                                      قد أفلح من تزكى تطهر من الشرك، وقال: لا إله إلا الله.  

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر اسم ربه بالخوف، فعبده، وصلى له، وهذا قول عطاء ، عن ابن عباس ، ويدل على صحته ما:

                                                                                                                                                                                                                                      ما حدثناه أبو إسحاق المقري ، أنا عبد الله بن حامد ، أنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، نا عباد بن أحمد العرزمي ، نا عمي محمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن عطاء بن السائب ، عن ابن سابط ، عن جابر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أفلح من تزكى قال: من شهد أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله  وذكر اسم ربه فصلى قال: هي الصلوات الخمس، والمحافظة عليها حين ينادى بها، والاهتمام بمواقيتها".

                                                                                                                                                                                                                                      وجماعة من المفسرين يحملون الآيتين على زكاة الفطر، وصلاة العيد. قال الكلبي : أفلح من تصدق قبل مروره إلى العيد، وصلى مع الإمام، وهو قول عكرمة ، وأبي العالية ، وابن سيرين ، وابن عمر ، وروي ذلك مرفوعا:

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرناه أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن رجاء ، أنا محمد بن محمد بن سليمان الواسطي ، نا رحيم ، نا عبد الله بن نافع ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن هذه الآية قد أفلح من تزكى قال: زكاة الفطر،  وفي غير هذه الرواية، قال: أخرج زكاة الفطر وخرج إلى المصلى فصلى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 472 ] وقال نافع : كان ابن عمر إذا صلى الغداة قال: يا نافع أخرجت الصدقة؟ فإن قلت: نعم، مضى إلى المصلى، وإن قلت: لا، قال: فالآن فأخرج، فإنما نزلت هذه الآية: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى في هذه الصدقة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: بل تؤثرون الحياة الدنيا قرأه العامة بالتاء، لما روي أن في حرف أبي : بل أنتم تؤثرون، قال الكلبي : تؤثرون عمل الدنيا على عمل الآخرة. وقال ابن مسعود : إن الدنيا أحضرت لنا، وعجل طعامها، وشرابها، ونساؤها، ولذتها، وبهجتها، وإن الآخرة زويت عنا، فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل. وقرأ أبو عمرو يؤثرون بالياء، وقال: يعني الأشقين الذين ذكروا في قوله: ويتجنبها الأشقى .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم رغب في الآخرة، فقال: والآخرة خير وأبقى  أي: والدار الآخرة، يعني: الجنة، خير أفضل، وأبقى وأدوم من الدنيا   .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أنا أبو بكر عبد الله بن يحيى بن معاوية الطلحي ، أنا أبو علي الحسين بن جعفر القتات ، نا أبو نعيم صراد بن صرد ، نا عبد العزيز ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب بن عبد الله ، عن أبي موسى ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلب آخرته أضر بدنياه، ومن طلب دنياه أضر بآخرته،  فآثروا ما يبقى على ما يفنى".

                                                                                                                                                                                                                                      إن هذا يعني: ما ذكر من عند قوله: قد أفلح أربع آيات، لفي الكتب الأولى التي أنزلت قبل القرآن، ذكر فيها فلاح المتزكي والمصلي، وإيثار الخلق الدنيا على الآخرة، وأن الآخرة خير، قال ابن قتيبة : لم يرد الألفاظ بعينها، وإنما أراد أن الفلاح لمن تزكى، وذكر اسم الله فصلى، في الصحف الأولى كما هو في القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم بين أن الصحف الأولى ما هي، فقال: صحف إبراهيم وموسى يعني: كتبا أنزلت على إبراهيم ، وتوراة موسى ، وقال عكرمة : هذه السورة في صحف إبراهيم وموسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال السدي : نزلت هذه السورة كلها على موسى ، وعلى إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية