الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                                                                                      ألهاكم التكاثر  حتى زرتم المقابر  كلا سوف تعلمون  ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم  ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم

                                                                                                                                                                                                                                      ألهاكم التكاثر قال المفسرون: شغلكم التكاثر بالأموال، والأولاد، والتفاخر بكثرتها.  

                                                                                                                                                                                                                                      حتى زرتم المقابر حتى أدرككم الموت على تلك الحال، نزلت في اليهود حين قالوا: نحن أكثر من فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان. شغلهم ذلك عن الإيمان حتى ماتوا ضلالا، ثم يدخل في هذا كل من اشتغل بالتكاثر والتفاخر عن طاعة الله حتى يأتيه الموت وهو على ذلك، ويدل على هذا ما:

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن ، أنا حاجب بن أحمد ، نا عبد الرحيم بن منيب ، نا النضر بن شميل ، أنا شعبة ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن أبيه، قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: ألهاكم التكاثر قال: " يقول ابن آدم : مالي مالي وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت،  أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت" رواه مسلم ، عن بندار ، عن غندر ، عن شعبة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 549 ] ثم رد الله تعالى عليهم هذا، فقال: كلا أي: ليس الأمر الذي ينبغي أن تكونوا عليه التكاثر، ثم أوعدهم فقال: سوف تعلمون ثم وكد ذلك وكرره، فقال: ثم كلا سوف تعلمون قال الحسن ، ومقاتل : هو وعيد بعد وعيد، والمعنى: سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم، إذا نزل بكم الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      كلا لو تعلمون علم اليقين كلام آخر، يقول: لو تعلمون الأمر علما يقينا، لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر، وجواب لو محذوف وهو ما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أوعدهم وعيدا آخر، فقال: لترون الجحيم وقرأه العامة بفتح التاء، وقرئ بضمها من أريته الشيء، والمعنى: أنهم يحشرون إليها فيرونها.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم لترونها عين اليقين أي: مشاهدة، تقول: لترون الجحيم بأبصاركم على البعد منكم، ثم لترونها مشاهدة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قال مقاتل : يعني كفار مكة ، كانوا في الدنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه، ولم يشكروا رب النعم، حيث عبدوا غيره، وأشركوا به، ثم يعذبون على ترك الشكر بتوحيد المنعم  ، وهذا قول الحسن قال: لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار. وقال قتادة : إن الله سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه، وعلى هذا ورد أكثر الأخبار.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحافظ ، أنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه ، نا أبو جعفر العبدي ، نا يزيد بن هارون ، أنا محمد بن عمرو ، عن صفوان بن سليم ، عن محمود بن لبيد ، قال: لما أنزلت ألهاكم التكاثر، قالوا: يا رسول الله "عن أي النعيم نسأل؟  إنما هو الأسودان التمر والماء، وسيوفنا على عواتقنا، والعدو حاضر، فعن أي النعيم نسأل؟ قال: إن ذلك سيكون".

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أنا أبو بحر محمد بن [ ص: 550 ] الحسن بن كوثر ، نا أبو جعفر بن علي الخزاز ، نا عبد الله بن عاصم الحماني ، نا حماد بن سلمة ، نا عامر بن أبي عامر ، عن جابر بن عبد الله ، قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، فأطعمناهم رطبا، وسقيناهم من الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه".

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم ، أن أبا عبد الله عبيد الله بن محمد قال، أنا عبد الله بن محمد المنيعي ، أنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد ، نا هشام بن عبد الملك ، نا حشرج بن نباتة ، نا أبو نصر ، عن أبي عسيب ، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا، فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر فدعاه، فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، ثم انطلق يمشي ونحن معه حتى دخل حائطا لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط: أطعمنا بسرا، فجاء بعذق فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء، فشرب، ثم قال: إنكم لمسؤولون عن هذا يوم القيامة، فأخذ عمر العذق، فضرب به الأرض حتى تناثر البسر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: "نعم إلا من ثلاث: خرقة يواري الرجل بها عورته، أو كسرة يسد بها جوعته، أو حجر يدخل فيه من الحر والبرد" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية