كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين
قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل الآية، قال المفسرون: لما ادعى النبي صلى الله عليه وسلم أنه على ملة إبراهيم عليه السلام قالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كان ذلك حلالا لإبراهيم فنحن نحله".
فقالت اليهود: كل شيء أصبحنا اليوم نحرمه فإنه كان محرما على إبراهيم ونوح.
فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وهو يعقوب، وذلك أنه مرض مرضا، فنذر لئن عافاه الله ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحبها إليه لحمان الإبل وألبانها، فحرمها الله على ولده، وكان هذا قبل نزول التوراة، وذلك قوله: من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها لتعرفوا أن هذا التحريم إنما كان من جهة يعقوب، ولم يكن في زمن إبراهيم ولا نوح، إن كنتم صادقين فيما تدعون.
[ ص: 465 ] فلما ثبتت عليهم الحجة بكتابهم قال الله تعالى: فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك من بعد ظهور الحجة بأن التحريم كان من جهة يعقوب ولم يكن محرما قبله، فأولئك هم الظالمون أنفسهم.
قوله: قل صدق الله فيما أخبر، فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وملة محمد عليه السلام داخلة في ملته، فمن اتبع ملة إبراهيم فقد اتبع ملة محمد عليه السلام.
قوله عز وجل: إن أول بيت وضع للناس الآية، روى عن عطاء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ابن عباس، "إن أول لمعة وضعت على الأرض موضع البيت ثم مدت منها الأرض، وإن أول جبل وضعه الله على هذه الأرض أبي قبيس ثم مدت منها الجبال" .
وهذا قول قال: خلق الله هذا مجاهد، البيت قبل أن يخلق شيء من الأرض بألفي سنة.
وقال هو أول بيت بناه ابن عباس: آدم في الأرض.
وقال علي رضي الله عنه: هو أول بيت مبارك وهدى وضع للناس.
أخبرنا أبو الحسن الفسوي، أخبرنا أحمد بن محمد الفقيه، حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: أبي ذر
[ ص: 466 ] قلت يا رسول الله: قال: أي مسجد وضع على الأرض أولا؟ المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قال: قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم الأرض لك مسجد، فصل أينما أدركتك الصلاة". عن
رواه عن مسلم عن أبي كريب، أبي معاوية.
أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا حدثنا سهل بن عثمان، أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن علي رضي الله عنه قال: قال له رجل: حدثني عن هذا البيت، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال: لا، ولكنه أول بيت وضعت فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا.
وقوله: للذي ببكة "بكة": هي مكة، فأبدلت الميم باء كقولهم: سمد رأسه وسبده، وضربة لازم ولازب.
وقال أبو مالك وإبراهيم: "بكة": موضع البيت، ومكة: القرية.
وقوله: مباركا أي: كثير الخير، بأن جعل فيه وعنده البركة، وهدى قال المعنى: وذا هدى. الزجاج:
قال: ويجوز أن يكون على معنى: وهو هدى.
ومعنى كونه "هدى للعالمين": أنه قبلة صلاتهم.
[ ص: 467 ] فيه آيات بينات مقام إبراهيم قال وقوله: أثر قدميه في المقام آية بينة. مجاهد:
وقال المفسرون: الآيات التي فيها: أمن الخائف، وامتناع الطير من العلو عليه، واستشفاء المريض به، وتعجيل العقوبة لمن انتهك فيه حرمه، وإهلاك أصحاب الفيل لما قصدوا إخراجه.
وقال الآيات البينات: زيد بن أسلم: مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا.
وهذا اختيار الزجاج; لأنه قال: ومن الآيات أيضا: أمن من دخله.
وقال: معنى أمن من دخله: إبراهيم سأل الله عز وجل أن يؤمن سكان مكة وقال: رب اجعل هذا البلد آمنا ، فجعل الله عز وجل أمن أن مكة آية لإبراهيم، فلم يطمع في أهلها جبار، وكان فيما عطف الله تعالى من قلوب العرب في الجاهلية على من لاذ بالحرم حتى يؤمنوه آية بينة.
يدل على هذا قول في قوله: قتادة ومن دخله كان آمنا قال: كان ذلك في الجاهلية، فأما اليوم إن سرق فيه أحد قطع، ولو قتل فيه قتل.
وقوله: ولله على الناس حج البيت وقرئ حج البيت بالكسر، والمفتوح مصدر، وهو لغة أهل الحجاز، والمكسور: اسم للعمل، قال سيبويه: ويجوز أن يكون مصدرا كالعلم والذكر.