قوله: وما محمد إلا رسول الآية، لما نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشيع أنه قد قتل، قال بعض المسلمين: ليت لنا من يأخذ أمانا من أبي سفيان.
وقال ناس من أهل النفاق: إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الأول.
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقوله: قد خلت من قبله الرسل معناه: أنه يموت كما ماتت الرسل من قبله، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم أي: أتنقلبون على أعقابكم إن مات محمد أو قتل؟ ! ويقال لكل من عاد إلى ما كان عليه ورجع وراءه: انقلب على عقبيه.
وقوله: ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا فيه معنى الوعيد، أي: فإنما يضر نفسه باستحقاق العقاب، [ ص: 500 ] وسيجزي الله الشاكرين قال يريد الطائعين لله من المهاجرين والأنصار. ابن عباس:
وقال في قوله: عبد الرحمن بن عوف أفإن مات أو قتل : هو صياح الشيطان يوم أحد: قتل محمد.
قوله: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله قال اللام في النفس معناها: النقل، بتقدير: وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله. الزجاج:
قال يريد: بقضائه وقدره. ابن عباس:
والمراد بهذا: من حيث لا يموت أحد فيه إلا بإذن الله. الحض على الجهاد،
قال عاتب الله بهذا المنهزمين يوم ابن الأنباري: أحد رغبة في الدنيا وضنا بالحياة، وأخبرهم أن الحياة لا تزيد ولا تنقص، وأن الموت بأجل عنده لا يتقدم ولا يتأخر.
وقوله: كتابا مؤجلا أي: كتب الله ذلك كتابا إلى أجله في اللوح المحفوظ، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها أي: من يرد بطاعته وعمله زينة الدنيا وزخرفها نؤته منها ما نشاء مما قدرناه له، كقوله: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء .
وعني بهذا: الذين تركوا المركز يوم أحد طلبا للغنيمة ورغبة في الدنيا، ومن يرد ثواب الآخرة أي: من كان قصده بعمله ثواب الآخرة، نؤته منها يعني الذين ثبتوا يوم أحد حتى قتلوا.
أعلم الله أنه يجازي كلا على قصده وإرادته، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: . "الأعمال بالنيات"
قوله تعالى: وكأين من نبي الآية، معنى كأين: كم، وتأويله: الكثير، لعدد الأنبياء الذين هذه صفتهم.
[ ص: 501 ] وقرأ ابن كثير وكائن بوزن كاعن، وهما لغتان بمعنى واحد، وأكثر ما جاء في الشعر على هذه اللغة، قال جرير:
وكائن بالأباطح من صديق يراني لو أصبت هو المصابا
قوله: قاتل معه ربيون كثير يجوز أن يكون القتل مسندا إلى نبي، ويجوز أن يكون مسندا إلى ربيون، وكذلك الوجهان من قراءة من قرأ قاتل، و "الربيون": الجماعات الكثيرة، الواحد: "ربي"، وهو قول جميع المفسرين.قوله: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا قال ما جبنوا عن قتال عدوهم، وما فتروا، الزجاج: وما استكانوا وما خضعوا لعدوهم.
والآية احتجاج على المنهزمين يوم أحد، وذلك أن صائحا صاح: قد قتل محمد.
فاضطرب أمر المسلمين، واختلفوا فيما بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية يعاتبهم على ما كان من فعلهم، ويحضهم على الجهاد بسلوك طريقة صحابة الأنبياء.
قال أي فقد كان واجبا عليكم أن تقاتلوا على أمر نبيكم لو قتل كما قاتل أمم الأنبياء بعد قتلهم ولم يرجعوا عن دينهم. ابن الأنباري:
[ ص: 502 ] قوله: وما كان قولهم أي: عند لقاء العدو، إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا أي: تجاوزنا الحد في المعاصي، وثبت أقدامنا بالقوة من عندك والنصرة.
قال أي ثبتنا على دينك، وإذا ثبتوا على دينهم ثبتوا في حربهم. الزجاج:
وانصرنا على القوم الكافرين هذا تعليم من الله تعالى، دعاء الاستفتاح والنصرة على الكافرين عند لقائهم في الحرب.
قوله: فآتاهم الله ثواب الدنيا النصر والظفر والغنيمة، وحسن ثواب الآخرة يعني الأجر والمغفرة، والله يحب المحسنين .