الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير  وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين  وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون  الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أولما أصابتكم مصيبة يعني: أوحين أصابتكم، ألف الاستفهام دخلت على واو العطف، وأراد بالمصيبة: ما أصابهم يوم أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قد أصبتم مثليها يعني يوم بدر، وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين، وقتل المسلمون منهم يوم بدر سبعين وأسروا سبعين، قلتم أنى هذا قلتم: من أين أصابنا هذا القتل والهزيمة وقد تقدم الوعد بالنصر ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا؟ قل هو من عند أنفسكم أي: إنكم تركتم المركز، وطلبتم الغنيمة، وعصيتم الرسول، فمن قبلكم جاء الشر.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: قل هو من عند أنفسكم أي: يأخذكم الفداء، وذلك أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال: يا محمد، إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأسارى، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا الأسارى فيضربوا أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء، على أن يقتل منهم عدتهم، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه، فقالوا: يا رسول الله، عشائرنا وإخواننا، لا، بل نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال العدو، ويستشهد منا بعددهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدد أسارى أهل بدر،
                                                                                                                                                                                                                                      فهو معنى قوله: قل هو من عند أنفسكم أي: يأخذكم واختياركم القتل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 518 ] وقوله: إن الله على كل شيء قدير أي: من النصر مع الطاعة، وترك النصر مع المخالفة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وما أصابكم يوم التقى الجمعان يعني يوم أحد، التقى فيه المشركون والمسلمون، فبإذن الله وقال ابن عباس: فبقضاء الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا أي: ليظهر إيمان المؤمنين بثبوتهم على ما نالهم، ويظهر نفاق المنافقين بفشلهم وقلة صبرهم على ما ينزل بهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكرنا معنى علم الله فيما لا يزال مع سبق علمه بالكائنات فيما لم يزل.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: يريد بالذين نافقوا: عبد الله بن أبي، وأصحابه، وذلك أنهم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقال لهم عبد الله بن عمرو بن حرام: أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ودعاهم إلى القتال في سبيل الله، فذلك قوله: وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال السدي: ادفعوا عنا العدو بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال جماعة من المفسرين: أو ادفعوا عن أهلكم وبلدكم وحريمكم إن لم تقاتلوا في سبيل الله.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم أي: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، يعنون: لا يكون اليوم قتال ولو نعلم أنه يكون قتال لاتبعناكم، ونافقوا بهذا القول لأنه كان في قلوبهم خلاف ما تكلموا به، قال الله تعالى: هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يريد: إنهم بما أظهروا من خذلان المؤمنين صاروا أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان، وذلك أنهم قبل هذا كانوا بظاهر حالهم أقرب إلى الإيمان حتى هتكوا أنفسهم بما فعلوا وقالوا مما لم يكن في قلوبهم ذلك، وهو قوله: يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون أي: من النفاق.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: الذين قالوا لإخوانهم يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، قالوا لإخوانهم من المنافقين وقعدوا هم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، و "الواو" للحال، لو أطاعونا في القعود عن الحرب، يعنون [ ص: 519 ] شهداء أحد، ما قتلوا.

                                                                                                                                                                                                                                      فرد الله تعالى عليهم وقال: قل لهم يا محمد، فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين أي: إن صدقتم أن الحذر ينفع من القدر.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى الدرء في اللغة: الدفع، ومنه قوله تعالى: ويدرأ عنها العذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية