بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود قال في رواية ابن عباس بالعهود يعني : ما أحل وما حرم ، وما فرض وما حد في القرآن . الوالبي :
وقال ما عقد الله على العباد وما أحل لهم وحرم عليهم . مجاهد :
وقال بالعهود التي أخذ الله على هذه الأمة أن يوفوا بها مما أحل وحرم ، ومما فرض من الصلاة وسائر الفرائض . الضحاك :
[ ص: 148 ] والعقود أوكد العهود ، جمع العقد ، بمعنى المعقود ، وهو الذي أحكم ، وما فرضه الله علينا فقد أحكم ذلك ، ولا سبيل إلى نقضه بحال .
وقال مقاتل بن حيان : أوفوا بالعقود بالعهود التي عهد الله إليكم في القرآن مما أمركم من طاعته أن تعملوا بها ، ونهيكم الذي نهاكم عنه ، وبالعهد الذي بينكم وبين المشركين ، وفيما يكون من العهد بين الناس .
ثم ابتدأ كلاما آخر فقال : أحلت لكم بهيمة الأنعام والبهيمة اسم لكل ذي أربع من دواب البر والبحر ، وقال : كل حي لا يميز فهو بهيمة . الزجاج
والأنعام جمع النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم وأجناسها .
والمراد ببهيمة الأنعام : الأنعام ، وزاد ذكر البهيمة للتأكيد ، كما يقال نفس الإنسان .
وهذا قول ، الحسن والربيع ، والضحاك ، ، والسدي في رواية وابن عباس ، قالوا : هي الأنعام كلها . عطاء
وقال في رواية بهيمة الأنعام : وحشها كالظباء وحمر الوحش . الكلبي :
وقوله : إلا ما يتلى عليكم أي : إلا ما يقرأ عليكم في القرآن مما حرم عليكم ، وهو قوله : حرمت عليكم الميتة الآية .
وقوله : غير محلي الصيد وأنتم حرم يقال : رجل حرام وقوم حرم ، أي : محرمون والمعنى : إلا أن تحلوا الصيد في حال الإحرام فإنه لا يحل لكم إذا كنتم محرمين .
وقوله : إن الله يحكم ما يريد قال : أي : الخلق له ، يحل منه ما يشاء لمن يشاء ، ويحرم ما يريد . الزجاج
قوله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله قال الشعائر في كلام العرب : الهدايا المشعرة ، أي المعلمة . أبو عبيدة :
وقال : هي ما أشعر أي أعلم ليهدى إلى بيت الله الحرام . الزجاج
[ ص: 149 ] نزلت في الحطيم بن ضبيعة ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمامة إلى المدينة ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، فلم يسلم ، فلما خرج مر بسرح المدينة فاستاق الإبل فطلبوه فعجزوا عنه ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام القضية سمع تلبية حجاج اليمامة ، فقال لأصحابه : هذا الحطيم وأصحابه فدونكم ، وكان قد قلد ما نهب من سرح النبي صلى الله عليه وسلم ، وأهداه إلى الكعبة ، فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى هذه الآية .
والمعنى : لا تحلوها بإباحتها والإغارة عليها .
وقوله : ولا الشهر الحرام أي : بالقتال فيه ولا الهدي : وهي كل ما أهدي إلى بيت الله من ناقة أو بقرة وشاة ولا القلائد : هي جمع قلادة ، وأراد : ولا ذوات القلائد ، يعني : الهدايا المقلدة ، وعلى قول : أراد ولا أصحاب القلائد وهم الذين قلدوا بعيرهم ليأمنوا . ابن عباس
وكانت الحرب في الجاهلية قائمة بين العرب إلا في الأشهر الحرم ، فمن وجد في غير الأشهر الحرم أصيب منه ، إلا أن يكون مشعرا بدنة ، أو سائقا هديا أو مقلدا نفسه وبعيره من لحاء شجر الحرم ، أو محرما بعمرة إلى البيت ، فلا يتعرض لهؤلاء .
فأمر الله المسلمين بإقرار هذه الأمنة على ما كانت عليه في الجاهلية لضرب من المصلحة إلى أن نسخها .
وقوله : ولا آمين البيت الحرام أي : قاصديه ، يعني : الذين يريدون الحج ، يبتغون فضلا من ربهم يعني : التجارة ، ورضوانا : بزعمهم وفيما يظنون .
وهذه الآية من أولها إلى هاهنا منسوخة بقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .
وقوله : وإذا حللتم [ ص: 150 ] فاصطادوا أي : إذا خرجتم من إحرامكم حل لكم الصيد ، قال : هذا لفظ أمر معناه الإباحة ؛ لأن الله تعالى الزجاج وأباحه إذا حل من إحرامه ، وليس أنه واجب عليه إذا حل أن يصطاد . حرم الصيد على المحرم ،
وقوله : ولا يجرمنكم شنآن قوم الجرم معناه في اللغة : الكسب ، والجارم الكاسب .
والشنآن البغض ، يقال : شنئت الرجل أشنؤه شنئا وشنآنا ، إذا بغضته ويجوز شنآنا بسكون النون .
أن صدوكم أي : لأن صدوكم عن المسجد الحرام ومن أجل أن صدوكم ، ومن قرأ إن صدوكم بكسر إن جعله للجزاء على معنى : إن صدوكم عن المسجد الحرام فلا تكسبوا عدوانا .
ومعنى الآية : لا يحملنكم بغض كفار مكة أن صدوكم : يوم الحديبية عن المسجد الحرام أن تعتدوا على حجاج اليمامة ، فتستحلوا منهم محرما ، وتمنعوهم عن المسجد الحرام كما منعكم كفار مكة ، أو تعرضوا للهدي .
وقوله : وتعاونوا : قال ليعن بعضكم بعضا على البر : وهو ما أمرت به ، والتقوى : ترك ما نهيت عنه . الفراء :
قال : ما مضى من هذه الآية كله منسوخ ، إلا تعاون المسلمين على التقوى . الزجاج
وقوله : ولا تعاونوا على الإثم والعدوان قال : يريد : معاصي الله والتعدي في حدوده . عطاء
ثم حذرهم فقال : واتقوا الله : فلا تستحلوا ما حرم ، إن الله شديد العقاب إذا عاقب .