قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون
قوله: قل لمن ما في السماوات والأرض هذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بسؤال قومه، ثم أمره بالجواب فقال: قل لله: جاء السؤال والجواب من جهة واحدة، وهذا إخبار عن عظم ملكه.
ثم أخبر أنه أوجب على نفسه الرحمة تلطفا في الاستدعاء إلى الإنابة فقال: كتب ربكم على نفسه الرحمة قال قضى لنفسه أنه أرحم الراحمين. ابن عباس:
أخبرنا أبو الحارث محمد بن عبد الرحيم الأثري بجرجان، أخبرنا أبو الحسن علي بن المثنى، أخبرنا [ ص: 256 ] محمد بن إسحاق الرملي، حدثنا حدثنا هشام بن عمار، مالك، عن عن أبي الزناد، عن الأعرج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبي هريرة، لما قضى الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي "، رواه عن مسلم، عن زهير بن حرب، عن سفيان بن عيينة، وقوله: أبي الزناد ليجمعنكم إلى يوم القيامة هذا ابتداء كلام، واللام فيه: لام القسم، كأنه قال: والله ليجمعنكم إلى يوم القيامة.
قال معناه: ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه، وهو اليوم الذي لا ريب فيه، الزجاج: الذين خسروا أنفسهم أي: بالشرك بالله تعالى أوبقوا أنفسهم فهم لا يؤمنون لما سبق لهم من القضاء بالشقاوة والخسران.
قوله: وله ما سكن في الليل والنهار قال له ما استقر في الليل والنهار ممن خلق. ابن عباس:
وهذا عام في كل مخلوق; لأن كل ما طلعت عليه الشمس وما غربت فهو من ساكني الليل والنهار، ولهذا قال ابن الأعرابي: وله ما حل في الليل والنهار.
وقال أهل المعاني: في الآية محذوف، والتقدير: وله ما سكن وتحرك في الليل والنهار، فحذف ذكر الحركة واكتفى بذكر السكون، كقوله: سرابيل تقيكم الحر يعني: الحر والبرد.
قوله: قل أغير الله أتخذ وليا هذا استفهام معناه الإنكار، أي: لا أتخذ وليا غير الله ولا أعبد سواه، فاطر السماوات والأرض خالقهما ابتداء لا على مثال سبق، والفطرة: ابتداء الخلقة.
قال كنت لا أدري ما: ابن عباس: فاطر السماوات والأرض حتى احتكم إلي أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: أنا ابتدأت حفرها.
وقال ابن الأعرابي: يقال: هو أول من فطر هذا، أي: ابتدأه.
قوله: وهو يطعم ولا يطعم قال [ ص: 257 ] السدي، يرزق ولا يرزق، والكلبي: قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم من هذه الأمة، أي: قيل لي: كن أول المسلمين، ولا تكونن من المشركين أي: أمرت بدين الحنفية، ونهيت عن الشرك.
قل: للمشركين: إني أخاف إن عصيت ربي فيما أمرت به ونهيت عنه عذاب يوم عظيم وهو يوم القيامة.
من يصرف عنه العذاب يومئذ فقد رحمه فقد أوجب الله له الرحمة لا محالة، أي: له مع صرف العذاب عنه الرحمة.
وقرأ يصرف بفتح الياء وكسر الراء، أي: يصرف الله عنه العذاب يومئذ، يعني: يوم القيامة فقد رحمه، حمزة وذلك الفوز المبين لأنه فاز بالرحمة ونجا من العذاب.
وقوله: وإن يمسسك الله بضر أي: إن جعل الضر يمسسك ويصيبك، وهو اسم جامع لكل ما يتضرر به الإنسان من فقر ومرض وزمانة، كما أن الخير: اسم جامع لكل ما ينتفع به الإنسان.
قوله: فلا كاشف له إلا هو أي: لا يكشف ذلك الضر الذي أصابك غير الله، ولا يصرفه عنك غيره.
وقوله: وإن يمسسك بخير يصبك بغنى وسعة في الرزق وصحة في الجسم، فهو على كل شيء قدير من الغنى والفقر.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد البغدادي، حدثنا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أحمد بن شيبان الرملي، حدثنا عبد الله بن ميمون القداح، عن عن شهاب بن خراش، عن عبد الملك بن عمير، أنه قال: عبد الله بن عباس،
[ ص: 258 ] احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فقد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم يقدروا، واعلم أن مع الصبر النصر، وأن مع الكرب الفرج، وأن مع العسر اليسر". أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة، أهداها له كسرى فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه، ثم سار مليا ثم التفت إلي فقال: " يا غلام، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال:
قوله: وهو القاهر فوق عباده القهر: الغلبة، والله القاهر القهار، قهر خلقه بقدرته وسلطانه فصرفهم على ما أراد طوعا وكرها، يقال: أخذت الشيء قهرا.
إذا أخذته دون رضا صاحبه، ومعنى القاهر في صفة الله تعالى: يعود إلى أنه القادر الذي لا يعجزه شيء.
ومعنى فوق هاهنا: أن قهره قد استعلى عليهم فهم تحت التسخير والتذليل بما علاهم من الاقتدار الذي لا ينفك عنه أحد، وهو الحكيم الخبير العالم بالشيء.
قوله: قل أي شيء أكبر شهادة قال المفسرون: قال أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة فإن اليهود والنصارى ينكرونك، فنزلت هذه الآية، قال أمر مجاهد: محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل قريشا، ثم أمر أن يخبرهم فيقول: الله شهيد بيني وبينكم .
[ ص: 259 ] قال أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بأن شهادة الله في نبوة نبيه أكبر شهادة، وأن القرآن الذي أتى به يشهد له أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: الزجاج: وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ يريد: من أمتي إلى يوم القيامة.
قال المعنى: ومن بلغه القرآن من بعدكم، وكان الفراء: يقول: حيثما يأتي القرآن فهو داع ونذير. مجاهد
ثم قرأ هذه الآية، وقال القرظي: من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وكلمه.
قوله: أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى هذا استفهام معناه الجحد والإنكار عليهم بهذه الشهادة، ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بنفي هذه الشهادة عن نفسه بقوله: قل لا أشهد ، ثم أمره بتوحيده والتبري مما سوى الإسلام فقال: قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون .