ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون
وقوله: ومنهم من يستمع إليك الآية، نزلت في نفر من المشركين منهم النضر بن الحارث، جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟ فقال: أساطير الأولين مثلما كنت أحدثكم عن القرون الماضية.
وقوله: وجعلنا على قلوبهم أكنة الأكنة: هو ما ستر الشيء، يقال: كننت الشيء وأكننته: سترته، قال ابن عباس: ومنهم من يستمع إليك يعني: القرآن وجعلنا على قلوبهم غطاء أن يفهموه ويعوه.
قال والتقدير: كراهة أن يفقهوه، فحذف المضاف. الزجاج:
وفي آذانهم وقرا الوقر: الثقل في الأذن، قال صمما. ابن عباس:
وقال ثقلا. الضحاك:
وليس المعنى أنهم لم يعلموا ولم يسمعوا، ولكنهم حرموا الانتفاع به، فكانوا بمنزلة من لم يعلم ولم يسمع.
وهذه الآية دلالة صريحة على وهو قوله: أن الله تعالى يقلب القلوب، فيشرح بعضها للهدى، ويجعل بعضها في أكنة فلا يفقه صاحبها كلام الله تعالى ولا يؤمن به، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها أي: كل علامة تدلهم على نبوتك لا يصدقوا بها، هذا حالهم في البعد عن الإيمان حتى إذا جاءوك يجادلونك يخاصمونك في الدين يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ما هذا القرآن إلا ما سطره الأولون، أي: كتبوه من أحاديثهم، وواحد الأساطير: أسطورة، مثل أحدوثة وأحاديث، وقال أبو زيد الأخفش: لا واحد لها مثل عبابيد وأبابيل.
[ ص: 262 ] قوله: وهم ينهون عنه يعني: المشركين ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وينأون عنه : يتباعدون عنه فلا يؤمنون.
وهذا قول الكلبي، والحسن، والسدي.
والنأي: البعد، نأى ينأى نأيا.
وقال ابن عباس، وعمرو بن دينار، نزلت في وسعيد بن جبير: أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتباعد عما جاء به.
وقوله: وإن يهلكون أي: وما يهلكون بالتباعد عنه إلا أنفسهم وما يشعرون أنهم يهلكونها.
قوله: ولو ترى: يا محمد المشركين إذ وقفوا على النار أي: عاينوها ووقفوا عندها، فهم موقوفون على أن يدخلوها، فقالوا يا ليتنا نرد إلى الدنيا، يتمنون الرد لكي يؤمنوا ويصدقوا وهو قوله: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ، فقد شاهدنا وعاينا ما لا نكذب معه أبدا.
ومن نصب ولا نكذب، ونكون قال نصب على الجواب بالواو في التمني، كما تقول: ليتك [ ص: 263 ] تصير إلينا ونكرمك. الزجاج:
المعنى: ليت مصيرك يقع وإكرامنا، والمعنى: ليت ردنا وقع وأن لا نكذب ونكون من المؤمنين.
قوله: بل بدا لهم بل هاهنا: رد لكلامهم، يقول الله تعالى: ليس على ما قالوا من أنهم لو ردوا لآمنوا، بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل فلذلك اعتذروا وتمنوا الرد، وذلك أن المشركين كانوا يجحدون الشرك في بعض المواقف كما أخبر عنهم بقوله: والله ربنا ما كنا مشركين فينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر، فذلك حين بدا لهم، أي: ظهر لهم ما كانوا يخفون: يكتمون ويسترون من الشرك، ولو ردوا: إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه قال إلى ما نهوا عنه من الشرك. ابن عباس:
وإنهم لكاذبون في قولهم: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين