الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين  إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين  اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين  قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين  

                                                                                                                                                                                                                                      لقد كان في يوسف وإخوته أي: في خبر يوسف وقصة إخوته آيات عبر وعجائب، وقرأ ابن كثير: آية كأنه جعل شأنهم كلهم آية للسائلين، سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فأخبرهم بها كما في التوراة، فعجبوا من ذلك، وكان في ذلك أعجب دلالة للسائلين على صدق محمد صلى الله عليه وسلم لأنه شرح أخبار قوم لم يشاهدهم، ولم ينظر في الكتب لأنه كان أميا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إذ قالوا يعني: إخوة يوسف، قالوا فيما بينهم ليوسف وأخوه بنيامين وكان أخاه لأمه، والباقون كانوا إخوته لأبيه دون أمه، أحب إلى أبينا منا أي: إنه أشد لهما حبا ونحن عصبة قال الفراء: العصبة: العشرة فما زاد، والمعنى: نحن جماعة رجال إن أبانا لفي ضلال مبين قال ابن الأنباري: ضل بإيثارهما علينا ضلال خطأ يلحقه ضرره في دنياه، إذ كنا أنفع له في القيام بمواشيه من يوسف وأخيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أهل المعاني: إن أبانا في ذهاب عن طريق الثواب الذي فيه التعديل بيننا في المحبة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قالوا أيضا فيما بينهم اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا في أرض يبعد فيها عن أبيه يخل لكم وجه أبيكم يقبل بكليته عليكم ويخلص لكم عن شغله بيوسف، يعنون: أن يوسف شغله عنا وصرف وجهه إليه، فإذا فقده أقبل علينا بالمحبة، وأخطأوا في هذا التدبير لأنه لما فقد يوسف أعرض عنهم بالكلية، قال الله تعالى: وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف ، وقوله: وتكونوا من بعده قوما صالحين قال ابن عباس: تحدثوا توبة بعد ذلك يقبلها الله منكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول عامة المفسرين، والمعنى: قوما صالحين بإحداث التوبة، عزموا على التوبة قبل إحداث الجناية، وكذا المؤمن لا ينسى التوبة وإن كان مرتكبا للذنوب،  قال قائل منهم يعني من إخوة يوسف، وهو يهوذا أكبر ولد يعقوب وأعقلهم لا تقتلوا يوسف وقال قتادة: هو روبيل نهى عن قتله فقال: وألقوه في غيابت الجب الغيابة: كل ما غيب شيئا وستره، والغيابة: حفرة القبر لأنها [ ص: 602 ] تغيب المدفون، والجب: الركية التي لم تطو، قال الحسن: غيابة الجب قعر الجب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة: أسفل الجب.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: اطرحوه في موضع مظلم من البئر لا يلحقه نظر الناظرين، وقرأ أهل المدينة غيابات الجب بالجمع على معنى أن للجب أقطارا ونواحي ويكون فيه غيابات، فآثروا الجمع لذلك، واختلفوا في هذا الجب فقال قتادة: في بئر بيت المقدس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال وهب: هو بأرض الأردن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مقاتل: هو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يلتقطه بعض السيارة يعني: مارة الطريق، وهم الجماعة الذين يسيرون في الطريق للسفر، وقوله: إن كنتم فاعلين قال ابن عباس: يريد: إن أضمرتم ما تريدون ولما عزموا على الكيد بيوسف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية