قوله: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين
قل هذه سبيلي قل يا محمد للمشركين: هذه الدعوة التي أدعوا إليها والطريقة التي أنا عليها سبيلي، سنتي ومنهاجي وديني أدعو إلى الله على بصيرة أنا على دين ويقين، والبصيرة المعرفة التي يميز بها الحق من الباطل ومن اتبعني قال ومن اتبعني يدعو إلى الله كما أدعو. الفراء:
وهذا قول قال: حق على من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكر بالقرآن والموعظة، وينهى عن معاصي الله. الكلبي
قال ويجوز أن يتم الكلام عند قوله: الله ثم ابتدأ فقال: على بصيرة أنا ومن اتبعني، وهذا معنى قول ابن الأنباري: قال: يعني أصحاب ابن عباس، محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على أحسن طريقة، وقوله: وسبحان الله أي: قل هذه سبيلي، وقل سبحان الله تنزيها لله عما أشركوا وما أنا من المشركين الذين اتخذوا مع الله ندا وكفؤا وولدا، قوله: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا هذا رد لإنكارهم نبوته، يقول: لم نبعث قبلك إلا [ ص: 638 ] رجالا فكيف تعجبوا من إرسالنا إياك ومن قبلك من الرسل كانوا على مثل حالك؟ وقوله: من أهل القرى قال يريد أهل المدائن لأن الله تعالى لم يبعث نبيا من بادية. ابن عباس:
قال لم يبعث الله نبيا من أهل البادية ولا من الجن ولا من النساء. الحسن:
وذلك أن أهل البادية يغلب عليهم القسوة والجفاء، وأهل الأمصار أهل فطنة، وقوله: أفلم يسيروا في الأرض يعني المشركين المنكرين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: أفلم يسيروا فينظروا إلى مصارع الأمم المكذبة فيعتبروا بها ولدار الآخرة يعني الجنة خير للذين اتقوا من الدنيا أفلا تعقلون هذا فتؤمنوا وتتقوا الشرك؟
أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا إبراهيم بن علي، نا أنا يحيى بن يحيى، نا أبو معاوية، حجاج، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لشبر من الجنة خير من الدنيا وما فيها " قوله: حتى إذا استيأس الرسل قال يريد من قومهم أن يؤمنوا وظنوا أنهم قد كذبوا أيقنوا أن قومهم قد كذبوهم. ابن عباس:
وهذا قول عطاء، وقتادة، وقرأ والحسن، أهل الكوفة: كذبوا مخففة ومعناه: ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله إياهم وإهلاك أعدائهم، وهذا معنى قول ابن عباس، وابن مسعود، والضمير في قوله: وظنوا على هذه القراءة للمرسل إليهم، التقدير: ظن المرسل إليهم أن الرسل أخبروهم بالكذب من أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب، وإنما ظنوا ذلك لما رأوا من إمهال الله إياهم، وقوله: ومجاهد، جاءهم نصرنا قال يريد: نصر النبيين، والمعنى: أن نصر الرسل على قومهم تأخر عنهم حتى ظن قومهم الظنون، ثم نصروا فأهلك المكذب وأنجي المصدق، وهو قوله: فننجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين وقرأ ابن عباس: عاصم، وابن عامر: فنجي من شاء بنون واحدة، وتشديد الجيم وفتح الياء جعلاه ماضيا على ما لم يسم فاعله كقوله: ولا يرد لأنهما طلبا موافقة المصحف فإن فيه نونا واحدة، وذلك لاجتماع النونين وأعان على ذلك خفاء النون عند الجيم ولا يرد ولا يمنع عذابنا عن المشركين إذا بلغوا الأجل.