قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد
قوله: قل من رب السماوات والأرض قل الله السؤال والجواب جاء من جهة واحدة; لأن المشركين لا ينكرون أن الله خالق السماوات والأرض والمخلوقات كلها، كقوله: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فإذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
[ ص: 12 ] الله، لم ينكروا، ويصيروا كأنهم قالوا ذلك، ثم ألزمهم الحجة، فقال: قل أفاتخذتم من دونه أولياء قال : توليتم غير رب السماء والأرض أصناما. ابن عباس
لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فكيف لغيرهم؟ ثم ضرب مثلا للذي يعبد الأصنام، وللذي يعبد الله، فقال: قل هل يستوي الأعمى والبصير يعني المشرك والمؤمن، أم هل تستوي الظلمات والنور يعني ، وقوله: الشرك والإيمان أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه قال : معناه أجعلوا لله شركاء خلقوا مثل ما خلق الله فتشابه خلق الشركاء بخلق الله عندهم؟ وهذا استفهام إنكار، أي: ليس الأمر على هذا حتى يشتبه الأمر، بل إذا فكروا بعقولهم وجدوا الله هو المنفرد بالخلق، وسائر الشركاء لا يخلقون خلقا يتشابه بخلق الله، وقوله: ابن الأنباري قل الله خالق كل شيء قال : قل ذلك وبينه بما أخبرت به من الدلالة في هذه السورة مما يدل على أنه خالق كل شيء. الزجاج
والمعنى: أنه خالق كل شيء مما يصح أن يكون مخلوقا، ألا ترى أنه هو شيء وهو غير مخلوق؟ قوله: أنزل من السماء ماء قال ، عن عطاء : يريد قرآنا، وهو مثل ضربه الله تعالى. ابن عباس
فسالت أودية بقدرها أودية جمع واد، وهو كل منفرج بين جبلين، يجتمع إليه ماء المطر فيسيل، والقدر والقدر مبلغ الشيء.
والمعنى: بقدرها من الماء، فإن صغر الوادي قل الماء، وإن اتسع كثر، قال : شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر إذ نفع نزول القرآن يعم، كعموم نفع نزول المطر، وشبه الأودية بالقلوب، إذ الأودية يستكن فيها الماء كما يستكن الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين، وقوله ابن الأنباري فاحتمل السيل زبدا رابيا طافيا عاليا فوق الماء، قال : هو الشك والكفر. ابن عباس
ثم ضرب مثلا آخر، فقال: ومما يوقدون عليه في النار يعني: ما يذاب من الجواهر فيدخل النار ويوقد عليها، ابتغاء حلية يعني: الذهب والفضة، أو متاع يعني: الحديد والصفر والنحاس والرصاص، تتخذ منها الأواني والأشياء التي ينتفع بها، وقوله: زبد مثله أي: زبد مثل زبد الماء الذي يحمله السيل، كذلك كما ذكر من هذه الأشياء، يضرب الله مثل، الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء والجفاء ما جافاه الوادي، أي: رمى به، قال : الجفاء الرمي، يقال: جفا الوادي غثاء جفاء إذا رماه، والجفاء بمنزلة الغثاء. الفراء
وهذان مثلان ضربهما الله للحق والباطل، يقول: الباطل، وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سيمحقه ويبطله، ويجعل العاقبة للحق وأهله، كالزبد الذي يعلو الماء فيلقيه الماء ويضمحل، وكخبث هذه الجواهر يقذفه الكير، وهذا مثل الباطل، وأما الماء الذي ينفع الناس وينبت المرعى فيمكث في الأرض، وكذلك الصفو من الجواهر يبقى خالصا لا شوب فيه، وهو مثل الحق.
قال : فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان، كمثل هذا الماء المستنفع به من نبات الأرض وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر، [ ص: 13 ] لأنها كلها تبقى منتفعا بها، ومثل الكافر وكفره، كمثل هذا الزبد الذي يذهب جفاء، وكمثل خبث الحديد، وما يخرجه الناس من وسخ الفضة والذهب الذي لا ينتفع به. الزجاج
قوله: للذين استجابوا لربهم أي: أجابوه إلى ما دعاهم إليه من توحيده وشريعته، الحسنى الجنة، والذين لم يستجيبوا له إلى قوله: لافتدوا به أي: لجعلوه فداء أنفسهم من العذاب، وقوله: أولئك لهم سوء الحساب قال المفسرون: هو ألا يقبل منهم حسنة، ولا يتجاوز عن سيئة.
أخبرنا نصر بن بكر بن أحمد بن الحسين ، أنا أبو سعيد عبد الله بن محمد الصوفي ، أنا ، أنا محمد بن أيوب ، نا موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، قال: قال لي فرقد السبخي : يا إبراهيم النخعي فرقد ، قال: قلت: لا. أتدري ما سوء الحساب؟
قال: هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء.