ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله [ ص: 15 ] شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار
قوله: ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه نزلت في أهل مكة حين طالبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآيات، قل إن الله يضل من يشاء قال : يريد عن دينه. ابن عباس
يعني: كما أضلكم بعدما أنزل من الآيات وحرمكم الاستدلال بها، ويهدي إليه من أناب رجع إلى الحق، وإنما يرجع إلى الحق من يشاء الله، فكأنه قال: ويهدي إليه من يشاء.
كما قال في آيات: ويهدي من يشاء .
قوله: الذين آمنوا بدل من قوله: من أناب المعنى: يهدي إليه الذين آمنوا، وتطمئن قلوبهم بذكر الله إذا سمعوا ، واستأنسوا به، وقال ذكر الله أحبوه : أي إذا ذكر الله وحده آمنوا به غير شاكين. الزجاج
بخلاف من وصف بقوله: وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة .
وقوله: ألا بذكر الله تطمئن القلوب يعني: قلوب المؤمنين; لأن الكافر غير مطمئن القلب.
الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم أكثر المفسرين على أن طوبى اسم شجرة في الجنة، وهو قول ، أبي هريرة ومغيث بن سمي ، ، وشهر بن حوشب ، ومجاهد ، ومقاتل في رواية وابن عباس الكلبي وعطاء .
وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني ، نا عبد الله بن محمد بن حيان ، نا محمد بن حمزة بن عمارة ، نا جعفر بن عنبسة ، حدثني أبي عنبسة بن عمرو ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن جويبر ، عن ، عن الضحاك ، قال: ابن عباس سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن قول الله في كتابه: الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم فقال: " ، ليست دار من دور الجنة إلا وفيها غصن من أغصانها، لو أن طائرا طار في غصن من أغصانها لقتله الهرم قبل أن يبلغ فرعه، ولو أن رجلا عمر أعمار الأولين ركب حقة، أو جذعة، ثم طاف بساقها، [ ص: 16 ] لقتله الهرم قبل أن يبلغ الموضع الذي ابتدأ منه، ليس منها ورقة إلا تظل أمة من الأمم، وليست منها ورقة إلا عليها ملك يذكر الله ويسبحه، وليس منها ورقة لو جمع الشمس والقمر إلا طمست ضوءهما، منها كسوة أهل الجنة وحليهم، ورقها حلل، وأغصانها حلي، ووحلها المسك والعنبر، وترابها الورس والزعفران، وحصباؤها الدر والياقوت، وهي مجلس أهل الجنة ومتحدثهم. أما طوبى، فشجرة في الجنة
أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد العزيز في كتابه، أنا ، أنا محمد بن الحسين الحدادي محمد بن يزيد ، أنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا ، أنا عبد الرزاق ، عن معمر أشعث بن عبد الله ، عن ، عن شهر بن حوشب ، قال: " أبي هريرة ، فتفتق له عن: الخيل بسروجها ولجمها، وعن الإبل برحالها وأزمتها، وعما شاء من الكسوة". طوبى شجرة في الجنة، يقول الله لها: تفتقي لعبدي عما يشاء
وروى ، عن سعيد بن جبير ، قال: طوبى اسم الجنة بالحبشة. ابن عباس
هو قول في رواية مجاهد شبل ، قال: طوبى اسم الجنة.
وقال ، أبو عبيدة ، وأهل اللغة: طوبى فعلى من الطيب. والزجاج
قال : تأويلها الحال المستطابة لهم. ابن الأنباري
وقوله: كذلك أرسلناك أي: أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء قبلك، في أمة قد خلت من قبلها أمم قال : في قرون قد مضت من قبلها قرون. ابن عباس
لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك يعني القرآن، وهم يكفرون بالرحمن وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في الحجر يدعو، وأبو جهل يستمع إليه وهو يقول: "يا رحمن" .
فلما سمعه يذكر الرحمن ولى مدبرا إلى المشركين، وقال لهم: إن محمدا كان ينهانا عن عبادة الآلهة، وهو يدعو إلهين، يدعو الله ويدعو إلها آخر يقال له الرحمن.
فأنزل الله هذه الآية.
وقوله: قل هو ربي أي: قل لهم: إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو إلهي وسيدي، لا إله إلا هو .
قوله: ولو أن قرآنا الآية، قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت كما تقول فادع الله يسير عنا هذه الجبال، فإن أرضنا ضيقة، واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا حتى نغرس ونزرع، وابعث لنا آباءنا من الموتى حتى يكلمونا ويخبرونا أنك نبي.
فأنزل الله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أي: جعلت تسير، أو قطعت به الأرض أي: شققت فجعلت أنهارا وعيونا، أو كلم به الموتى أي: أحيوا حتى كلموا، وجواب لو محذوف، قال : تقديره لكان هذا القرآن، والمعنى: لو أن قرآنا فعل به ما التمسوا لكان هذا القرآن. الفراء
وقال : جوابه لما آمنوا. الزجاج
وهو قول ، قال: يريد لو قضيت ألا يقرأ القرآن على الجبال إلا سارت، ولا على الأرض إلا تخرقت، ولا على الموتى إلا أحيوا [ ص: 17 ] وتكلموا، ما آمنوا لما سبق عليهم في علمي. ابن عباس
ونظير هذه الآية قوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة إلى قوله ما كانوا ليؤمنوا ، بل لله الأمر جميعا يقول: دع ذاك الذي قالوا من تسيير الجبال وغيره، فالأمر لله جميعا، ولو شاء أن يؤمنوا لآمنوا، وإذا لم يشأ لا ينفع تسيير الجبال وما اقترحوا من الآيات، ثم أكد هذا المعنى بقوله: أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا قال : أفلم يعلم. ابن عباس
وقال : ييأس يعلم في لغة النخع. الكلبي
وهذا قول ، مجاهد ، والحسن . وقتادة
وقوله: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أي: بما صنعوا من كفرهم وأعمالهم الخبيثة داهية تقرعهم، ومصيبة شديدة من الأسر والقتل والحرب والجدب.
وقال ، مجاهد : هي السرايا التي كان يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم. وأبو سعيد الخدري
أو تحل تنزل أنت يا محمد قريبا من دارهم، حتى يأتي وعد الله يعني فتح مكة ، وعده الله أن يفتحها له، إن الله لا يخلف الميعاد ثم عزى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا أطلت لهم المدة بتأخير العقوبة، ثم أخذتهم فكيف كان عقاب قال : يريد كيف رأيت ما صنعت بهم، كذلك أصنع بمشركي قومك. ابن عباس
قوله: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت قال : كذلك أمتنع، يريد نفسه تبارك وتعالى. ابن عباس
ومعنى القيام هاهنا التولي لأمور خلقه، والتدبير للأرزاق والآجال، وإحصاء الأعمال للجزاء، كقوله: قائما بالقسط أي: واليا لذلك، والمعنى هاهنا: أفمن هو قائم بالتدبير على كل نفس بجزاء ما كسبت، وتلخيصه: أفمن هو مجاز كل نفس بما كسبت، كمن ليس بهذه الصفة من الأصنام التي لا تنفع ولا تضر؟ ويدل على هذا المحذوف قوله: وجعلوا لله شركاء قال : الفراء
[ ص: 18 ] كأنه في المعنى، قال: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم الذين اتخذوهم.
قل سموهم بما يستحقون من الصفات وإضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء لله، كما يوصف الله بالخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، والمعنى يعود إلى أن الصنم لو كان إلها لتصور منه أن يخلق ويرزق، ولحسن حينئذ أن يسمى بالخالق والرزاق.
قوله: أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض هذا استفهام منقطع مما قبله، وتأويل الآية: فإن سموهم بصفات الله، قل: أتنبئونه بما لا يعلم في الأرض، أتخبرون الله بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه؟ على معنى: أنه ليس، ولو كان لعلم، أم بظاهر من القول يعني: أم يقولون مجازا من القول وباطلا لا حقيقة له، أي: إنه كلام ظاهر، وليس له في الحقيقة باطن ومعنى، فهو كلام باللسان، بل دع ذكر ما كنا فيه، زين للذين كفروا مكرهم قال : زين الشيطان لهم الكفر، وذلك أن مكرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم كفر منهم، ابن عباس وصدوا عن السبيل قال : وصدهم الله عن سبيل الهدى. ابن عباس
وضم الصاد قراءة أهل الكوفة ، ومن قرأ بفتح الصاد فالمعنى: أنهم صدوا غيرهم عن الإيمان.
ومن يضلل الله فما له من هاد يهديه إلى الخير والإيمان، لهم عذاب في الحياة الدنيا يعني الأسقام والقتل والأسر، هي لهم في الدنيا عذاب، وللمؤمن كفارة، ولعذاب الآخرة أشق أشد وأغلظ، وما لهم من الله من عذاب الله، من واق مانع يمنعهم.
قوله: مثل الجنة التي وعد المتقون أي: صفتها، قال ابن قتيبة: المثل الشبه في أصل اللغة، ثم قد يصير المعنى صورة الشيء وصفته، يقال: مثلت لك كذا، أي: صورته ووصفه.
أراد الله بقوله: مثل الجنة أي: صورتها وصفتها، ثم ذكرها، فقال: تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم قال : يريد أن ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا، وظلها لأنه لا يزول، ولا تنسخه الشمس، الحسن تلك عقبى الذين اتقوا أي: عاقبة أمرهم المصير إليها، وعاقبة الكافرين المصير إلى النار.