الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون  لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين  ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون  ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين   [ ص: 40 ] وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون  كذلك نسلكه في قلوب المجرمين  لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين  ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون  لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون  

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر أي القرآن، قال عطاء ، عن ابن عباس : هذا استهزاء منهم، لو أيقنوا أنه أنزل عليه الذكر ما قالوا: إنك لمجنون.

                                                                                                                                                                                                                                      لو ما تأتينا بالملائكة قال الفراء : لولا ولوما لغتان، معناهما هلا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : أفلا جئتنا بالملائكة حتى نصدقك؟ قال الله تعالى جوابا لهم: ما ننزل الملائكة إلا بالحق أي: إذا نزل الملائكة وجب العذاب من غير تأخير ولا إنظار   .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : إذا نزلت الملائكة، لم ينظروا، ولم يمهلوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو قوله: وما كانوا إذا منظرين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إنا نحن هذا من كلام الملوك، الواحد منهم إذا فعل شيئا قال: نحن فعلنا.

                                                                                                                                                                                                                                      يريد نفسه وأتباعه، ثم صار هذا عادة الملك في خطابه، وإن انفرد بفعل الشيء قال: نحن فعلنا.

                                                                                                                                                                                                                                      فخوطبت العرب بما يعقل من كلامها، وقوله: نحن نزلنا الذكر يعني القرآن، وإنا له لحافظون قال قتادة : لا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا، حفظه الله من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد أرسلنا من قبلك أي رسلا، فحذفت المفعول الدلالة الإرسال عليه، في شيع الأولين قال الحسن ، والكلبي : في فرق الأولين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عطاء ، عن ابن عباس : في الأمم الأولين.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : الشيعة الأمة لمتابعة بعضهم بعضها فيما يجتمعون عليه من أمر.

                                                                                                                                                                                                                                      وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون يعني كما استهزأ به قومك، وهذا تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم، ودلالة أن كل واحد من الرسل كان مبتلى بقومه.

                                                                                                                                                                                                                                      كذلك نسلكه قال الزجاج : كما فعل بالمجرمين الذين استهزءوا، نسلك الضلال في قلوب المجرمين.

                                                                                                                                                                                                                                      والسلك: إدخال الشيء في الشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس ، والحسن : نسلك الشرك في قلوب المكذبين.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم لا يؤمنون، فقال: لا يؤمنون به بالرسول وبالقرآن، وقد خلت سنة الأولين مضت سنة الله بإهلاك من كذب الرسول في القرون الماضية، وهذا تهديد لكفار مكة ، ثم أخبر أنهم إذا وردت عليهم الآية بالمعجزة قالوا سحر، فقال: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون يقال: ظل كذا [ ص: 41 ] إذا فعله بالنهار، والعروج الصعود.

                                                                                                                                                                                                                                      يقال: عرج يعرج عروجا.

                                                                                                                                                                                                                                      يقول: لو كشف لهؤلاء عن أبصارهم حتى يعاينوا بابا في السماء مفتوحا تصعد فيه الملائكة لصرفوا ذلك إلى أنهم سحروا، وهو قوله: لقالوا إنما سكرت أبصارنا قال مجاهد : سدت بالسحر، فيخايل لأبصارنا غير ما نرى.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصله من السكر وهو سد الشق لئلا ينفجر الماء، فكأن الأبصار منعت من النظر كما يمنع الماء من الجري، والتشديد لذكر الأبصار، بل نحن قوم مسحورون سحرنا محمد ، فنحن نرى ما لا حقيقة له.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية