الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أخبرناه أبو إبراهيم بن أبي القاسم الصوفي ، أنا محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي ، نا الحسين بن موسى بن خلف ، نا إبراهيم بن الهيثم البلدي ، نا آدم بن أبي إياس ، نا ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم   " ، رواه البخاري ، عن آدم ، وإنما [ ص: 52 ] سميت الفاتحة السبع المثاني; لأنها سبع آيات وهي تثنى في كل صلاة بإعادتها في كل ركعة وقال الزجاج : ويجوز أن يكون من المثاني مما أثني به على الله; لأن فيها حمد الله وتوحيده، وذكر ملكه يوم الدين، المعنى: ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يثنى بها على الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الآية تدل على فضيلة الفاتحة لأن الله تعالى امتن على رسوله بهذه السورة، كما امتن عليه بجميع القرآن، حيث فصل هذا من القرآن بالذكر، ثم ذكر القرآن بعده، فقال: والقرآن العظيم أي: العظيم القدر; لأنه كلام الله ووحيه وتنزيله، ولما ذكر منته عليه بالقرآن، نهاه عن النظر إلى الدنيا، فقال: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم أي: أصنافا من المشركين واليهود، قال ابن عباس : "نهى الله رسوله عن الرغبة في الدنيا، فحظر عليه أن يمد عينيه إليها رغبة فيها، فكان صلى الله عليه وسلم لا ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا" .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تحزن عليهم قال الكلبي : على كفار قريش إن لم يؤمنوا ونزل بهم العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      واخفض جناحك للمؤمنين ألن لهم جانبك، قال ابن عباس : ارفق بهم، ولا تغلظ عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      والعرب تقول: فلان خافض الجناح إذا كان وقورا ساكنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقل إني أنا النذير المبين قال ابن عباس : أنذركم بسخط الله وعذابه، وأبين لكم ما يقربكم إلى الله.

                                                                                                                                                                                                                                      كما أنزلنا ويجوز أن يكون المعنى أني أنذركم ما أنزلنا، وتكون الكاف زائدة، وقوله: على المقتسمين يعني الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإيمان به، قال مقاتل : كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم يقولون لمن أتى مكة : لا تغتروا بالخارج منا والمدعي النبوة فإنه مجنون.

                                                                                                                                                                                                                                      فأنزل الله بهم عذابا فماتوا شر ميتة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم وصفهم فقال: الذين جعلوا القرآن عضين قال ابن عباس : جزءوه أجزاء، فقالوا: سحر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا: أساطير الأولين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا: مفترى.

                                                                                                                                                                                                                                      وعضين جمع عضة، مثل عزة وعزين من عضيت الشيء إذا مزقته، وكل قطعة عضة، والمعنى أنهم فرقوا القول في القرآن، حيث اختلفت في وصفه أقوالهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال الكلبي : عن ترك لا إله إلا الله والإيمان برسله، وهذا السؤال سؤال توبيخ، يسألون يوم القيامة، فيقال لهم: لم عصيتم الرسل، وتركتم الإيمان؟ فيظهر خزيهم وفضيحتهم عند تعذر الجواب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو العالية :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 53 ] يسأل العباد كلهم يوم القيامة، عن خلتين عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا المرسلين.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قوله: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه الآية، أي: لا يسألون سؤال استفهام ليعلم ذلك من جهتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فاصدع بما تؤمر قال الزجاج : يقول أظهر ما تؤمر به، أخذ من الصديع وهو الصبح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال المفسرون: اجهر بالأمر أي بأمرك، يعني إظهار الدعوة، وما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية، وأعرض عن المشركين لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة.

                                                                                                                                                                                                                                      إنا كفيناك المستهزئين الذين كانوا يستهزئون بك وبالقرآن، وكانوا جماعة يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم: الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو زمعة، وهو الأسود بن المطلب ، والحارث بن عيطلة ، والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن عدي ، فأومأ جبريل بإصبعه إلى ساق الوليد ، وإلى عيني أبي زمعة ، وإلى رأس الأسود ، وإلى بطن الحارث ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "كفيت أمرهم" .

                                                                                                                                                                                                                                      فمر الوليد على قين لخزاعة ، وهو يجر ثيابه، فتعلقت بثوبه شوكة، فمنعه الكبر أن يخفض رأسه فينزعها، وجعل يضرب ساقه فخدشته، فلم يزل مريضا حتى قطع إنسياه، فلم يزل حتى مات، ووطئ العاص على شبرقة، فحكت رجله، فلم يزل يحكها حتى مات، وعمي أبو زمعة ، وأخذت الأكلة في رأس الأسود ، وأخذ الحارث الماء في بطنه فمات خبثا، يعني استسقاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم وصفهم بالشرك، فقال: الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون وعيد لهم وتهديد.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون من تكذيبك والاستهزاء بك.

                                                                                                                                                                                                                                      فسبح بحمد ربك قال الضحاك : قل سبحان الله وبحمده.

                                                                                                                                                                                                                                      وكن من الساجدين قال ابن عباس : من المصلين.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                                      واعبد ربك حتى يأتيك اليقين قال جماعة المفسرين: يعني الموت، وسمي الموت [ ص: 54 ] يقينا لأنه موقن به.

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : اليقين الموت، وعند الموت والله يقين من الخير والشر.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : المعنى اعبد ربك أبدا; لأنه لو قيل: اعبد ربك بغير توقيت، لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون مطيعا، فإذا قال: حتى يأتيك اليقين، فقد أمر بالإقامة على العبادة أبدا ما دام حيا.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان ، نا أمية بن محمد الصواف ، نا محمد بن يحيى الأزدي ، نا الهيثم بن خارجة ، نا إسماعيل بن عياش ، عن شرحبيل بن مسلم ، عن ابن مسلم الخولاني ، عن جبير بن نفير ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إلي أن: فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين  

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية