ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير
قوله تعالى: ما ننسخ من آية الآية، وذلك أن المشركين قالوا: القرآن كلام محمد تقوله من نفسه، يأمر أصحابه بأمر، ثم ينهاهم عنه بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
: إبطال الشيء وإقامة آخر مقامه، تقول العرب: نسخت الشمس الظل، أي: أذهبته وحلت محله، وهذا نسخ إلى بدل؛ لأن الظل يزول ويبطل، وتكون الشمس بدلا عنه، ويجوز النسخ إلى غير بدل، وهو رفع [ ص: 188 ] الحكم وإبطاله من غير أن يقيم له بدلا، يقال: نسخت الريح الآثار، أي: أبطلتها وأزالتها. ومعنى النسخ
والمعروف من النسخ في القرآن: إبطال الحكم مع إثبات الخط، وهو أن تكون الآية الناسخة والمنسوخة ثابتتين في التلاوة، إلا أن المنسوخة لا يعمل بها، مثل عدة المتوفى عنها زوجها، كانت سنة، لقوله تعالى: متاعا إلى الحول غير إخراج ثم نسخت بأربعة أشهر وعشر، لقوله تعالى: يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ، وكقوله: إن يكن منكم عشرون صابرون الآية، ثم نسخت بقوله: الآن خفف الله عنكم ، الآية، وقرأ ابن عامر ما ننسخ بضم النون، من أنسخت الآية، أي: وجدتها منسوخة، كقولك: أحمدت الرجل، وأحببته، وأكذبته، وأبخلته، أي: وجدته على هذه الأحوال.
فيكون معنى قوله: "نسخ": نجده منسوخا، وإنما نجده كذلك لنسخه إياه، وإذا كان كذلك كان معنى قراءة ابن عامر كمعنى قراءة من قرأ ننسخ -بفتح النون- يتفقان في المعنى، وإن اختلفا في اللفظ.
وقوله تعالى: (أو ننسها) "النسيان": ضد الذكر، والإنساء: منقول منه، يقال: نسي الرجل الشيء، وأنسيته الشيء، إذا جعلته ينساه، ومعنى الآية: إنا إذا رفعنا آية من جهة النسخ أو الإنساء لها أتينا بخير من الذي نرفعه بأحد هذين الوجهين، وهما النسخ والإنساء، وقد يقع النسخ بالإنساء، وهو ما أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل [ ص: 189 ] التاجر ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، أخبرنا محمد بن يحيى ، حدثنا ، أخبرنا أبو اليمان شعيب ، عن ، أخبرني الزهري : أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن " رهطا من الأنصار، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أنه قام رجل منهم من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة قد كان دعاها، فلم يقدر منها على شيء إلا (بسم الله الرحمن الرحيم) ، فأتى باب النبي صلى الله عليه وسلم، حين أصبح، ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثم جاء آخر وآخر، حتى اجتمعوا، فسأل بعضهم بعضا: ما جمعهم؟ فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السورة، ثم أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبرهم، وسألوه عن السورة، فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئا، ثم قال: " نسخت البارحة من صدوركم ومن كل شيء كانت فيه وقرأ أبو عمرو ننسأها مفتوحة النون، مهموزة، من النسيء بمعنى التأخير، يقال: نسأت الإبل عن الحوض، أي: أخرتها.
ومعنى التأخير في الآية: أن يؤخر التنزيل، فلا ينزل ولا يعلم ولا يعمل به ولا يتلى، والمعنى: نؤخرها لوقت كان، فنأتي بدلا منها في الوقت المتقدم بما يقوم مقامها.
[ ص: 190 ] ومعنى نأت بخير منها أي: أصلح لمن تعبر بها، وأنفع لها، وأسهل عليهم، وأكثر لأجرهم، لا أن آية خير من آية، "أو مثلها" في المنفعة والمثوبة بأن يكون ثوابها كثواب التي قبلها.
والفائدة في ذلك: أن يكون الناسخ أسهل من المأخذ من المنسوخ، والإيمان به والناس إليه أسرع، نحو القبلة التي كانت على جهة، ثم حولت إلى الكعبة ، فهذا وإن كان السجود إلى سائر النواحي متساويا في العمل والثواب، فالذي أمر الله به في ذلك الوقت كان الأصلح والأدعى للعرب وغيرهم إلى الإسلام.
وقوله تعالى: ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير أي: من النسخ والتبديل وغيرهما.
قوله: (ألم تعلم) استفهام معناه التقرير، أن الله له ملك السماوات والأرض "الملك": تمام القدرة واستحكامها، والمعنى: أنه يملك السماوات والأرض ومن فيهن، فهو أعلم بما يتعبدهم من ناسخ ومنسوخ، وما لكم من دون الله من ولي "الولي": فعيل بمعنى فاعل، يقال: هو والي الأمر ووليه، أي: القائم به.
المعنى: ما لكم من دون الله من وال يلي أمركم، (ولا نصير) : ناصر يمنعكم من العذاب، وفي هذا تحذير للعباد؛ إذ لا مانع منه.