الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون  وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون  ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون  ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون  

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله يأمر بالعدل والإحسان يعني بالعدل في الأفعال، والإحسان في الأقوال، فلا يفعل إلا ما هو عدل، ولا يقول إلا ما هو حسن، قال ابن عباس في رواية الوالبي : العدل شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان أداء الفرائض.

                                                                                                                                                                                                                                      وإيتاء ذي القربى وصلة الأرحام، وينهى عن الفحشاء الزنا، والمنكر الشرك، والبغي الكبر والظلم، يعظكم ينهاكم عن هذا كله، ويأمركم أن تتحاضوا على ما فيه لله رضا لكي تتعظوا، قال قتادة في هذه الآية: إنه ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويعظمونه ويحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه  ، وقدم فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد بن أحمد بن جعفر ، أنا جدي، أنا محمد بن إسحاق السراج ، نا قتيبة بن سعيد ، نا جرير ، عن منصور ، عن الشعبي ، قال: جاء شتير ، ومسروق ، فقال شتير : إما أن تحدث ما سمعت، عن عبد الله فأصدقك، وإما أن أتحدث فتصدقني، فقال مسروق : لا بل حدث فأصدقك، قال: سمعت عبد الله ، يقول: إن أجمع آية في القرآن لخير، أو شر آية في النحل إن الله يأمر بالعدل والإحسان  ، قال مسروق : صدقت ، رواه الحاكم في (صحيحه ) ، عن العنبري ، عن [ ص: 80 ] محمد بن عبد السلام ، عن إسحاق الحنظلي ، عن المعتمر ، عن منصور قوله: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم قال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به هو الذي يحسن فعله، فإذا عاهد يجب الوفاء به.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس في هذه الآية: والوعد من العهد.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها بعد تغليظها، وتشديدها بالعزم والعقد على اليمين، بخلاف لغو اليمين، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا بالوفاء، وذلك أن من حلف بالله فكأنه أكفل الله بالوفاء بما حلف عليه، إن الله يعلم ما تفعلون قال ابن عباس : لا يخفى عليه شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها هي امرأة من قريش يقال لها: ريطة .

                                                                                                                                                                                                                                      كانت حمقاء، تغزل الغزل هي وجواريها، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، من بعد قوة أي: من بعد إبرام وفتل للغزل، أنكاثا جمع نكث، وهو الغزل من الصوف والشعر يبرم وينسج، فإذا أخلقت النسيجة قطعت ونكثت خيوطها، ثم غزلت ثانية.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى الآية لا تكونوا في نقض الأيمان بعد توكيدها كهذه المرأة غزلت غزلا وقوت مرته، ثم نقضته فجعلته أنكاثا، وقوله: تتخذون أيمانكم دخلا بينكم الدخل والدغل: الغش والخيانة، قال الزجاج : غشا ودغلا.

                                                                                                                                                                                                                                      أن تكون أمة هي أربى من أمة أي أكثر، يقال: ربا الشيء يربو إذا كثر.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز منهم، فنهوا عن ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وتلخيص التأويل: النهي عن أن يخلف على ما هو منطو على خلافه، وأن يغر غيره بيمينه، وقوله: إنما يبلوكم الله أي بالأمر بالوفاء وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون في الدنيا من شأن البعث والقرآن، وكل ما وقع الاختلاف فيه، قوله: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة قال ابن عباس : على ملة واحدة ودين واحد، ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء وهذا صريح في تكذيب القدرية حيث أضاف الضلالة والهداية إلى نفسه وجعلهما لمن شاء من خلقه بالمشيئة الأزلية، ثم أخبر أنهم يسألون عن أعمالهم، فقال: ولتسألن عما كنتم تعملون فبان أن الأمر على ما أخبر الله به من قوله: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية