الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما  وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى  فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى  إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى  وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى  فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولقد عهدنا إلى آدم أي: أمرناه وأوصينا إليه أن لا يأكل من الشجرة، من قبل هؤلاء الذين نقضوا عهدي، وتركوا الإيمان بي، وهم الذين ذكر في قوله: لعلهم يتقون والمعنى أنهم إن نقضوا العهد، فإن آدم أيضا عهدنا إليه، [ ص: 224 ] فنسي قال ابن عباس، ومجاهد، والسدي: ترك عهدي وما أمر به.

                                                                                                                                                                                                                                      ولم نجد له عزما معنى العزم في اللغة: توطين النفس على الفعل، قال عطية العوفي: لم نجد له حفظا لما أمر به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن: صبرا عما نهي عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن قتيبة: رأيا معزوما عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده، وأبى أن يسجد له، وقال الحسن: فقال الله: ولم نجد له عزما .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن أحمد المخلدي، نا أحمد بن إسماعيل بن يحيى بن حازم، نا كامل بن مكرم، نا جبريل بن مجاع، نا إبراهيم بن يوسف، نا وكيع، عن أبي فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي أمامة الباهلي، قال: لو أن أحلام بني آدم وضعت في كفة ووضع حلم آدم لرجح حلمه حلمهم، ثم قرأ فنسي ولم نجد له عزما وما بعد هذا تقدم تفسيره إلى قوله: فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى قال عطاء: يريد شقاء الدنيا ونصبها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن: عنى به شقاء الدنيا لا ترى ابن آدم إلا ناصبا شقيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال السدي: يعني الحرث والزرع، والعجن والخبز، ولم يقل فتشقيا؛ لأن أول الآية خطاب لآدم.

                                                                                                                                                                                                                                      إن لك يا آدم، ألا تجوع في الجنة، ولا تعرى وعده الله في الجنة الشبع والاكتساء، وألا يصيبه فيها عطش ولا حر.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو قوله: وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ومن قرأ وإنك بالكسر فعلى الاستئناف وعطف جملة كلام على جملة، والظمأ مصدر قولك: ظمأ يظمأ إذا عطش، ويقال: ضحى الرجل يضحى ضحا وضحيا إذا أبرز الشمس فأصابه حرها، قال الضحاك، عن ابن عباس: يقول: لا تعطش فيها كما يعطش أهل الدنيا، ولا يصيبك فيها حر كما يصيب أهل الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: لا تبرز للشمس فيؤذيك حرها؛ لأنه ليس في الجنة شمس، إنما هو ظل ممدود.

                                                                                                                                                                                                                                      فوسوس إليه الشيطان كقوله: فوسوس لهما الشيطان وقد تقدم، قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد على شجرة من أكل منها لم يمت، وملك لا يبلى جديد ولا يفنى، وهذا كقوله: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الآية، وما بعد هذا مفسر في سورة الأعراف إلى قوله: وعصى آدم ربه أي: بأكل الشجرة التي نهي عنها، فغوى أي: فعل ما لم يكن له فعله، وقيل: ضل، حيث طلب الخلد والملك بأكل ما نهي عن أكله، هذان قولان حكاهما المفسرون، وقال ابن الأعرابي: الغي الفساد.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى فغوى هاهنا: فسد عليه عيشه، قال ابن قتيبة: أكل آدم من الشجرة التي نهي عنها باستزلال إبليس وخدائعه، والقسم له بالله أنه لمن الناصحين، حتى دلاه بغروره، ولم يكن ذنبه عن اعتقاد متقدم، ونية صحيحة، فنحن نقول عصى آدم وغوى كما قال الله، ولا نقول آدم عاص وغاو كما تقول لرجل قطع ثوبه وخاطه: قد قطعه وخاطه ولا، نقول: هو خياط، حتى يكون معاودا لذلك الفعل، معروفا به.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري، نا محمد بن أبي العوام، نا محمد بن عبد العزيز الرملي، نا سليمان بن حبان الأحمر، نا ابن أبي ذباب، عن سعيد بن [ ص: 225 ] أبي سعيد، ويزيد بن هرمز، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لقي موسى آدم، فقال: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسكنك الجنة، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فأخرجت الناس من الجنة بذنبك وخطيئتك، فقال له آدم: وأنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته، وأنزل عليك التوراة، فيها تبيان كل شيء فيكم، وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني، قال: بأربعين سنة، قال: فوجدت فيها: وعصى آدم ربه فغوى قال: نعم، قال: أفتلومني أن أعمل عملا قد كتبه علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحج آدم موسى،  رواه مسلم، عن إسحاق بن موسى الأنصاري، عن أنس بن عياض، عن ابن أبي ذباب قوله: ثم اجتباه ربه  قال ابن عباس: اصطفاه.

                                                                                                                                                                                                                                      فتاب عليه فعاد عليه بالعفو، وهدى هداه للتوبة حتى قال: ربنا ظلمنا أنفسنا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية