الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إن الصفا والمروة من شعائر الله هما جبلان معروفان بمكة، و شعائر الله : متعبداته التي [ ص: 242 ] أشعرها الله، أي: جعلها أعلاما لنا، وهي كل ما كان من موقف أو مسعى أو منحر، فمن حج البيت أصل الحج في اللغة:  زيارة شيء تعظمه، قال الزجاج: أهل الحج: القصد، وكل من قصد شيئا فقد حجه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو اعتمر قال الزجاج: أي: قصد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال غيره: زاره.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا جناح عليه أي: لا إثم عليه، ولا حرج ولا ذنب، أن يطوف بهما .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار، أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان، أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن عاصم، عن أنس بن مالك قال: كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا والمروة، وكانا من شعائر الجاهلية وكنا نتقي الطواف بهما فأنزل الله تعالى: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      رواه البخاري عن أحمد بن محمد، عن عبد الله، عن عاصم أخبرني سعيد بن العباس القرشي، أخبرنا العباس بن المفضل النضروي، أخبرنا أحمد بن نجدة، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، عن داود، عن الشعبي، قال: كان لأهل الجاهلية صنمان، يقال لأحدهما: يساف.

                                                                                                                                                                                                                                      وللآخر: نائلة.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان يساف على الصفا، وكان نائلة على [ ص: 243 ] المروة، وكانوا إذا طافوا بين الصفا والمروة مسحوهما، فلما جاء الإسلام قالوا: إنما كان أهل الجاهلية يطوفون بينهما لمكان هذين الصنمين وليسا من شعائر الحج.

                                                                                                                                                                                                                                      فأنزل الله تعالى: إن الصفا والمروة من شعائر الله ، فجعلهما الله من شعائر الحج.

                                                                                                                                                                                                                                      والآية بظاهرها تدل على إباحة ما كرهوه، ولكن السنة أوجبت الطواف بينهما والسعي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس كتب عليكم السعي فاسعوا"   .

                                                                                                                                                                                                                                      وهو مذهب الشافعي رحمه الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن تطوع خيرا قال الحسن: يعني به الدين كله، والمعنى: فعل غير المفترض عليه من طواف وصلاة وزكاة ونوع من الطاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ حمزة ومن يطوع بالياء وجزم العين، وتقديره: يتطوع، إلا أن التاء أدغمت في الطاء لمقاربتهما، وهذا حسن لأن المعنى على الاستقبال والشرط والجزاء، الأحسن فيهما الاستقبال، وإن كان يجوز أن تقول: من أتاك أعطيته.

                                                                                                                                                                                                                                      فتوقع الماضي موضع المستقبل في الجزاء، إلا أن اللفظ إذا كان وفق المعنى كان أحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإن الله شاكر أي: مجاز له بعمله، ومعنى الشاكر في وصف الله: المجازي على الطاعة بالثواب، عليم بنية المتطوع.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 244 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية