ثم ذكر الكفار وضرب المثل لأعمالهم، فقال:
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة السراب الذي يجري على وجه الأرض كأنه الماء ويكون نصف النهار، والقيعة جمع قاع نحو جار وجيرة، وهو ما انبسط من الأرض ويكون فيه السراب، وقوله: الظمآن ماء يعني: الشديد العطش، يقال: ظمأ يظمأ ظمأ فهو ظمآن.
حتى إذا جاءه جاء إلى الشراب وإلى موضعه رأى أرضا لا ماء فيها، وهو قوله: لم يجده شيئا أي: شيئا مما حسب وقدر، قال عن سعيد بن جبير، أعمال الكفار إذا احتاجوا إليها مثل الشراب إذا رآه الرجل وقد احتاج إلى الماء، فأتاه فلم يجده شيئا، فذلك مثل عمل الكافر، يرى أن له ثوابا وليس له ثواب. ابن عباس:
قال الكافر يحسب ما قدم من عمله نافعه كما يحسب العطشان الشراب من البعد ماء يرويه، حتى إذا جاءه، أي مات، لم يجد عمله شيئا لأن الله قد أبطله بالكفر ومحقه. ابن قتيبة:
وقوله: ووجد الله عنده قال وجد الله عند عمله، يعني قدم على الله. الفراء:
فوفاه حسابه جازاه بعمله، وهذا في الظاهر خبر عن الظمآن، والمراد به الخبر عن الكفار، ولكن لما ضرب مثلا للكفار جعل الخبر عنه كالخبر عنهم، وقوله: والله سريع الحساب مفسر في سورة البقرة.
قوله: أو كظلمات قال أعلم الله أن أعمال الكافر إن مثلت بما يوجد فمثلها مثل الشراب، وإن مثلت بما يرى فهي كهذه الظلمات التي وصف، وهذا قول عامة المفسرين أن التمثيل بالظلمات وقع لأعمال الكافر. الزجاج:
وقوله: في بحر لجي اللجي العظيم اللجة، ومعناه كثرة الماء، وقال ابن عباس، والمفسرون: هو العميق الذي يبعد عمقه.
يغشاه موج أي: يعلو ذلك البحر اللجي موج، من فوقه موج يعني: موجا من فوق الموج، من فوقه من فوق الموج، سحاب ظلمات بعضها فوق بعض يعني: ظلمة البحر، وظلمة الموج، وظلمة الموج، وفوق الموج ظلمة السحاب، ومن قرأ (ظلمات) -بالكسر والتنوين- جعلها بدلا من الظلمات الأولى، ومن أضاف السحاب إلى الظلمات فارتفعت وقت تراكمها، كما تقول: سحاب رحمة، وسحاب مطر إذا ارتفع وظهر في الوقت الذي يكون فيه المطر والرحمة.
والمعنى أن الكافر يعمل في حيرة لا يهتدي لرشده، فهو في جهله وحيرته كمن هو في [ ص: 323 ] هذه الظلمات؛ لأنه من عمله وكلامه مقلب في ظلمات وجهالة.
وقوله: إذا أخرج يده لم يكد يراها تأكيد لشدة هذه الظلمات، قال الحسن: لم يرها ولم يقارب الرؤية.
قال الفراء: لأن أقل من الظلمات التي وصفها لا يرى فيه الناظر كفه.
ومعنى لم يكد يراها : نفي المقاربة من الرؤية.
وقوله: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور قال ابن عباس، والسدي، من لم يجعل له دينا وإيمانا وهدى فما له من دين. ومقاتل:
قال من لم يهده الله للإسلام لم يهتد. الزجاج: