الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله: كذبت عاد المرسلين  إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون  إني لكم رسول أمين  فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين  أتبنون بكل ريع آية تعبثون  وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين  فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون  أمدكم بأنعام وبنين  وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم  

                                                                                                                                                                                                                                      كذبت عاد المرسلين القبيلة؛ لأنه أريد بعاد قبيلة عاد، والباقي مفسر إلى قوله: أتبنون بكل ريع آية وهو المكان المرتفع، قال أبو عبيدة: الريع الارتفاع، جمع ريعة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الوالبي، عن ابن عباس: يعني بكل شرف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مقاتل، والكلبي، والضحاك: بكل طريق.

                                                                                                                                                                                                                                      آية بنيانا وعلما، تعبثون بمن يمر بالطريق، والمعنى أنهم كانوا يبنون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة، فيسخرون منهم، ويعبثون بهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، أنهما قالا هذا في بنيان بروج الحمام، أنكر هود عليهم اتخاذهم بروجا للحمام عبثا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد ما لا يسكنون.

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى هذا القول جعل هو بناءهم ما يستغنون عنه ولا يسكنونه عبثا منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن علي المقرئ، أنا أحمد بن المثنى، نا أبو بكر ابن أبي شيبة، نا الفضل بن دكين، عن زهير، عن عثمان بن حكيم، عن [ ص: 359 ] إبراهيم بن محمد بن حاطب، عن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج فرأى قبة مشرفة، فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذا لرجل من الأنصار، فمكث وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسلم على الناس؛ أعرض عنه، وصنع به ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر نظر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أدري ما حدث في وما صنعت، قالوا: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرأى قبتك، فقال: "لمن هذه؟" فأخبرناه فرجع إلى قبته، فسواها بالأرض فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات يوم فلم ير القبة، فقال: "ما فعلت القبة التي كانت هاهنا؟" قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، قال: إن كل بناء يبنى وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا بد منه  قوله: وتتخذون مصانع المصانع التي يتخذها الناس من الأبنية والآبار، قال أبو عبيدة: كل قباء مصنعة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: هي الأبنية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد، وقتادة، والكلبي: هي القصور والحصون.

                                                                                                                                                                                                                                      لعلكم تخلدون أي: كأنكم تخلدون، قاله أكثر المفسرين، والمعنى أنهم كانوا يستوثقون المصانع كأنهم يخلدون فيها ولا يموتون، ولعل يأتي في الكلام بمعنى كان، قال يونس في قوله: لعلك باخع نفسك معناه: كأنك فاعل ذلك إن لم يؤمنوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا بطشتم بطشتم جبارين قال ابن عباس: يريد الضرب بالسياط ضرب الجبارين، والقتل بالسيف بغير حق.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: إذا ضربتم ضربتم بالسياط ضرب الجبارين، وإذا عاقبتم قتلتم، ومعنى الجبار هاهنا القتال على الغضب بغير حق، وقال الزجاج: وإنما أنكر عليهم ذلك لأنه ظلم، فأما في الحق فالبطش بالسيف والسوط جائز.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أي: أعطاكم ما تعلمون من الخير.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أخبرنا بالذي أعطاهم، فقال: أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم قال ابن عباس: يريد إن عصيتموني.

                                                                                                                                                                                                                                      عذاب يوم عظيم في الدنيا والآخرة، يريد الذي أهلكوا به.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية