الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              وقد يدخل في معنى هذا الخبر الذي رويناه عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما الأعمال بالنية ، وإنما لامرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها فهجرته لما هاجر له"  ، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من طلب العلم يباهي به العلماء ، أو ليماري به السفهاء ، أو ليصرف وجوه الناس إليه ، فالنار أولى به".  

              [ ص: 803 ] وذلك أن من طلب العلم لبعض هذه الوجوه ، فلم يطلبه لما أمر الله بالطلب له ، وذلك أن الله تعالى ذكره ، إنما أمر بطلب العلم للعمل به  ، والقيام بالواجب عليه فيما علمه منه ، ووهب له من معرفته ، أو لتعليم جاهل وإرشاد ضال ، لا لمباهاة العلماء ، أو مماراة السفهاء ، وصرف وجوه الناس به إليه.

              وذلك أن هذه وجوه ليس في شيء منها له رضى ، ولا هو مما أقر به ولا ندب إليه ، بل زجر عنه ونهى ، فحظ طالبه منه التقدم على معصية الله ، والمتقدم على معصية الله النار أولى به ، إن لم يعف الله جل ثناؤه عنه بفضله.

              ويدخل في معناه جميع أعمال العباد المطلقة والمأمور بها ، من المطاعم، والمشارب، والملابس، والمراكب، والمناكح، والمنطق، والصمت، والمشي، والجلوس، والقيام، والاضطباع ، وغير ذلك من سائر الأعمال المباح للعباد عملها ، والمأمور به منها حتى يكون العبد مثابا عليها من حال عمله إياها ، مريدا بها العمل على الوجه الذي يكون لله تعالى في العمل بها على ذلك الوجه رضى ، أو يكون مستحقا منه بها العقوبة على عمله إياها مريدا بها عملها على الوجه الذي له فيه السخط والكراهة ، وذلك كالطاعم من الطعام الزيادة على ما أقام رمقه ، وأمن معه على نفسه العطب ، فإن زيادته ما زاد على ذلك ، إن قصد بها طلب القوة على قراءة القرآن ، أو على القيام للنوافل والفرائض من الصلاة ، أو لجهاد أعداء الله من المشركين ، وما أشبه ذلك من الأعمال فإن ذلك من فعله ذلك يستحق به من ثواب الله الجزيل ، ومن كرامته الجسيم ، وإن كان أي زيادة ما ازداد على ذلك طلبا للقوة على حمل مال لمسلم قد سرقه إياه ، أو على قتل رجل ممن حرم الله قتله أو على سلبه ، أو تسوره حائطا على امرأة عليه حرام الفجور بها ، وما أشبه ذلك من الأعمال التي يسخطها الله ولا يرضاها ، فإن ذلك من فعله كذلك مستحق به من عذاب [ ص: 804 ] الله العظيم ، ومن عذابه الأليم ، إلا أن يعفو جل ثناؤه تفضلا منه عليه ، وكذلك سائر الأعمال التي ذكرنا ، والعلة التي بينا.

              قال مسروق بن الأجدع: ما خطا عبد خطوة إلا كتبت له حسنة أو سيئة  

              التالي السابق


              الخدمات العلمية