الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب

              فمن ذلك قول شداد بن أوس: يا نعايا العرب ، هكذا رواية المحدثين من رواة الأخبار ، إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة الرياء والشهوة الخفية.

              وأما أهل المعرفة بكلام العرب ورواة الشعر منهم ، فإنهم ينكرون ذلك ويقولون: إن الصواب فيه ، يا نعائي العرب ، بمعنى الأمر بنعيهم ، وكأنه أراد بذلك: انعوهم فقد هلكوا.

              واستشهدوا لتصحيح ما قالوا ، من ذلك قول الشاعر:


              نعاء ابن ليلى للفعال وللندى وركبان ليل مقفعل الأنامل

              [ ص: 810 ] ويقول الآخر:


              نعاء جذاما غير موت ولا قتل     ولكن فراقا للدعائم والأصل

              والقول في ذلك ما قالوا ، وذلك أن العرب إذا أغرت بمصدر قضيت ودعوت وما أشبههما من ذوات الياء والواو ، قالوا: دعا دعاء ، وقضى قضاء ، ونعا نعاء ،  كما يقولون ، إذا أغروا بالسالم من الفعل: دراك دراك ، ونظار نظار ، بمعنى أدرك أدرك ، انظر انظر ، فيفتحون أوله ويكسرون آخره كما قال الراجز:


              دراكها من إبل دراكها


              قد برك الموت على أوراكها

              يريد بقوله: دراكها ، أدركوها ، وقد روي ذلك:


              تراكها من إبل تراكها


              قد برك الموت على أوراكها

              [ ص: 811 ] ومنه قول زهير بن أبي سلمى:


              ولأنت أشجع من أسامة إذ     دعيت نزال ولج في الذعر

              وكان الفراء يزعم أن فعال إنما خص بالأمر ، لأنه أريد فعال مصدر فاعلت ، فكان أوله مكسورا فغيروه عن وجهة المصدر بفتح أوله وكسر آخره ، كما صرفت ثلاث ورباع ، عن ثلاثة وأربعة ، وعربتا بالرفع لأنهما في مذهب اسم ، وعرب فعال الذي يراد به الأمر بالخفض ، لأنهم أرادوا أثرا من الجزم.

              وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يروي ذلك: يا نعيان العرب ، على المصدر من نعاه ينعاه نعيا ونعيانا ، كالبهتان والخلصان.

              وأما الرياء فإنه مصدر من قول القائل: رايا فلان فلانا بعمله مراياة ورياء.  

              التالي السابق


              الخدمات العلمية