القول في البيان عما في هذه الأخبار من الأحكام
إن قال لنا قائل: ما وجه هذا الخبر الذي ذكرت عن ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: زيد بن ثابت (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ، وما معنى قول "لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبنيها ، فكأنه كره ذلك" وقوله: "ألا ترى أن الشيخ إذا زنى وقد أحصن جلد ورجم ، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم ولم يجلد" ، أمرجوم الشيخ إذا زنى بكل حال محصنا كان أو غير محصن؟ ، ما المعنى الذي فرق بين حكمه وحكم الشاب إذا زنى ، كل واحد منهما وقد أحصن؟ قيل: أما خبر عمر: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره برجم الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة إذا زنيا ، فإن معناه: فارجموهما ألبتة إذا كانا قد أحصنا ، فإن قالوا: وما البرهان على أن ذلك كذلك وليس ذلك موجودا في الخبر؟ قيل: البرهان على أن ذلك كذلك إجماع الجميع من أهل العلم قديمهم [ ص: 876 ] وحديثهم على أن زيد بن ثابت ، وفي إجماع جميعهم على ذلك أوضح البيان على أن معنى ما ذكرنا عن حكم الشيخ والشيخة إذا زنيا قبل الإحصان الجلد دون الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيخ هو ما قلنا دون غيره فإن قال: فإن كان الأمر على ما وصفت ، فما وجه خصوصه الشيخ والشيخة بما خصا به دون الشابين ، أم تنكر أن يكون ذلك حكما كان من الله تعالى ذكره في خلقه في حال فنسخه وحكم فيه بالحكم الذي ذكرت؟ قيل: أنكرنا ذلك من أجل أنا لم نعلم أحدا ممن تقدم أو تأخر ادعى أنه كان من حكم الله في بعض الزناة بالرجم ، ثم نسخ ذلك الحكم بحكم له آخر ، بل قد وجدنا أنه قد كان من أمر الله في الزواني من النساء قبل إيجابه الجلد على غير المحصنة منهن ، والرجم على المحصنة منهن ، أن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ، كما قال جل ثناؤه في كتابه: زيد بن ثابت واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ، ثم جعل الله لهن من ذلك سبيلا ، بأن جعل مخرجها مما أتت من ذلك -إن كانت حرة بكرا -أن تجلد مئة وتنفى عاما ، وإن كانت محصنة أن ترجم فأما نسخ رجم كان واجبا في وقت ، فذلك ما لا نعلم قائلا له قاله ولا ادعاه ، فصح بذلك ما قلنا في معنى الخبر الذي ذكرنا عن ، عمر وزر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أمره برجم الشيخ والشيخة إذا زنيا ألبتة ، وأما قول لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت أكتبنيها ، وكأنه كره ذلك ، ففيه بيان واضح أن ذلك لم يكن من كتاب الله المنزل كسائر آي القرآن ، لأنه لو كان من القرآن لم يمتنع صلى الله عليه وسلم من إكتابه عمر ذلك ، كما لم يمتنع من إكتاب من أراد تعلم شيء من القرآن ما أراد تعلمه منه ، وفي إخبار عمر: عن رسول [ ص: 877 ] الله صلى الله عليه وسلم أنه كره كتابة ما سأله إلا كتابه إياه من ذلك الدليل البين على أن حكم الرجم -وإن كان من عند الله تعالى ذكره -فإنه من غير القرآن الذي يتلى ويسطر في المصاحف . عمر