الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب

              "فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد" ارم، فداك أبي وأمي، أيها الغلام الحزور ".  

              والحزور من الغلمان هو الذي قد قوي واشتد وخدم، يجمع: حزاورة، وحزورين، ومنه قول أبي النجم العجلي:


              لم يبعثوا شيخا ولا حزورا بالفأس إلا الأرقب المصدرا

              وقد تقول العرب للرجل الذي قد بلغ أشده: حزور، ومنه قول نابغة بني ذبيان:


              وإذا نزعت نزعت من مستحصف     نزع الحزور بالرشاء المحصد

              [ ص: 116 ] وأما قول سعد ، مخبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للمسلمين يوم أحد: "أنبلوا سعدا" فإنه يعني بقوله: "أنبلوا سعدا" ، أعطوه النبل.

              يقال منه: استنبلني فلان، فأنبلته، يراد به: سألني نبلا فأعطيته.

              فأما الرجل يكون معه النبل فإنه يقال: هو رجل نابل ونبال، كما يقال للرجل الذي يكون معه سيف: هو رجل سائف، وسياف، وأما قولهم: "ما انتبلت نبله" ، فإنه معنى غير هذا، وإنما يقال ذلك للرجل يأتيك فلا تكترث له، ولا تعلم به، وفيه لغات أربع، يقال: ما انتبلت نبله، ونبله، ونباله، ونبالته، ومثله: ما مأنت مأنه، ولا شأنت شأنه، ولا ربأت ربأه، كل ذلك بمعنى واحد، وهو: ما اكترثت له، ولا علمت به.

              وأما قول العرب للرجل: نبلني عرقا، ونبلني أحجارا،  فإن معناه: أعطني.

              وأما النبل في الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اتقوا الملاعن، وأعدوا النبل" ، فإنها الحجارة التي تعد للاستنجاء بها ، يقال ذلك لها كذلك لصغرها، والعرب تسمي كل شيء صغير نبلة، كما تسمي بها كل شيء كبير.

              وهو من الأضداد، يجمع نبلا، ومنه قول بيهس، الذي كان يلقب نعامة:


              إن كنت أزننتني بها كذبا     جزء، فلاقيت مثلها عجلا
              [ ص: 117 ] أفرح أن أرزأ الكرام، وأن     أورث ذودا شصائصا نبلا

              وحكي عن الأصمعي أنه كان يقول: إنما هو: النبل، بضم النون، وفتح الباء، فأما المحدثون فإنهم يروون ذلك بفتح النون والباء، والصواب في ذلك عندي ما رواه المحدثون، لأن الرواة يروون عن بيهس الذي ذكرت بفتح النون والباء لا يختلفون في ذلك، وذلك وجه صحيح ، وفيه الدلالة على صحة رواية المحدثين إياه بفتح النون والباء "

              [ ص: 118 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية