وأما قول حذيفة إذ قال له عثمان: إنه بلغني عنك كذا وكذا وحلفه أنه ما قاله، وقول للذي قال له: لأخبرن الأحنف مسيلمة بما قلت: لئن أخبرته لأخبرنه أنك قلته ثم ألاعنك ، وما أشبه ذلك، فإن ذلك من معاني الكذب التي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أذن فيها خارج " وإنما ذلك من [ ص: 150 ] جنس إحياء الرجل نفسه عند الخوف عليها ببعض ما حرم الله عليه في غير حال الضرورة، كالذي يضطر إلى الميتة، أو الدم المسفوح، أو لحم الخنزير، فيأكل ذلك ليحيي به نفسه.
فكذلك الخائف على نفسه من عدو أو لص ، أو غيرهما، إذا خافه على نفسه أن يهلكها، أو بعض حرمه أن ينتهكه، أو مال له أن يسلبه، فقال في ذلك قولا مما يرجو به النجاة منه ، أو السلامة، فلا حرج عليه في ذلك، وإن كان مبطلا في الذي قال من ذلك.
وذلك أن ووضع عنهم الحرج في ذلك، فغير آثم من كذب في تلك الحال لينقذ نفسه من هلكة قد أشفت عليها ، كما غير آثم من خاف عليها عطبا لجوع، أو عطش قد نزل به، بحيث لا يقدر على دفع غائلة ذلك إلا ببعض ما حرم الله تعالى ذكره: من أكل ميتة، أو لحم خنزير، وما أشبه ذلك من المحرمات. الله تعالى ذكره قد أباح في حال الضرورة لخلقه ما منع في غيرها،
وسواء هما، لمن جعلت له دفع المكروه عن نفسه بالكذب في الحال التي جعلت ذلك له حلف مع كذبه أو لم يحلف، في أنه لا حرج عليه ولا إثم "