الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              فإذ كان الاختلاف بين السلف في أمر بني تغلب موجودا على ما قد ذكرنا، وكانت تغلب تدين النصرانية، ولا تدفع الأمة أن عمر أخذ منها الجزية بين ظهراني المهاجرين والأنصار، عن غير نكير منهم أخذه ما أخذ منهم، وكان أخذه ذلك منهم بمعنى أنهم أهل كتاب، لا بمعنى أنهم مجوس، ولا بأنهم عجم - صح وثبت أنهم أهل كتاب، وأن ذبائحهم ونساءهم للمسلمين حلال، لقول الله تعالى ذكره: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن فأما ترك الأئمة قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وقد نصروا أولادهم، وخالفوا ما ذكر عن علي من العهد الذي كانوا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألا ينصروا، أولادهم، فإن ذلك ممكن أن يكون كان منهم، من أجل أنهم كانوا [ ص: 231 ] يرون أن أهل الجزية ما أقاموا في دارهم على الوفاء للمسلمين بالجزية، والإذعان لهم، بأن يجري عليهم حكم الإسلام، فلا سبيل عليهم، وإن خالفوا بعض الشروط التي شرطت عليهم في حال عقد الذمة لهم، ولكنهم يؤخذون بالرجوع إلى ما عليهم في ذلك، من غير أن تستحل به دماؤهم وأموالهم، فإن ذلك قول أكثر المتفقهة.

              وممكن أن يكون ذلك كان منهم من أجل أن حكم كل مولود حكم أبويه، ما دام طفلا صغيرا، حتى يصير إلى حد الاختيار، ومن يلزمه الأحكام، فلم يكن حكم الطفل من بني تغلب خارجا من حكم أبويه النصرانيين إلى بلوغ الحلم، فإذا بلغ المولود منهم ذلك الحد، لم يكن لأبويه عليه سبيل، ولم يكن للمسلمين إكراهه على الإسلام، مع ما قد ثبت له من الحكم قبل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أنه محكوم له بحكم أبويه، ولم يكن أبواه هما اللذين نصراه، إذ كان الذي ينصر غيره إنما ينصره بإكراهه عليه، وإجباره له على التنصر ، وولد النصراني غير صائر نصرانيا بإجبار أبويه إياه عليه ، وإنما له حكمهما ما دام طفلا صغيرا، فإذا بلغ الحلم، فله الدين الذي يختاره حينئذ لنفسه، دين أبويه اختار، أو غير دينهما.

              فلم ير الأئمة - إذ كان أمر بني تغلب وأمر أولادهم على ما وصفنا - أنهم نصروا أولادهم، فيستحلوا بذلك دماءهم وأموالهم.

              فإن قال قائل: فما وجه قول علي رحمة الله عليه إذن، إن كان الأمر كما قلت: لئن عشت لنصارى بني تغلب، لأقتلن المقاتلة، ولأسبين الذرية،  وذلك أني كتبت الكتاب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ألا ينصروا أولادهم؟

              [ ص: 232 ] قيل: جائز أن يكون ذلك كان منه لأمر بلغه عنهم استحقوا به ما توعدهم به، فقال: ذلك وعيدا لهم، أو أخبر عنهم بخلافهم بعض الأمور التي عقدت عليها لهم الذمة، وإن لم يكن ذلك كان هو الأمر الذي به استحل دماءهم وأموالهم وذراريهم، ثم راجعوا الوفاء بما لزمهم، فأقروا على العهد الذي عوهدوا، ووفي لهم بالذمة ?

              [ ص: 233 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية