الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي"،  فإنه يعني بقوله: "فتلت في يدي" : رمي بها في يدي ووضعت ، ومنه قول الله تعالى ذكره: فلما أسلما وتله للجبين ، يقول: صرعه للجبين. يقال منه: "تل فلان فلانا لوجهه، فهو يتله تلا، وهو تليل لوجهه"، - يعني مرمي به كذلك مصروع - .

              [ ص: 52 ] وأما قول عطاء: في الدوحة يصيبها المحرم بقرة، فإن "الدوحة": كل شجرة عظيمة، تجمع دوحا، كما قال امرؤ القيس بن حجر:

              فأضحى يسح الماء عن كل فيقة يكب على الأذقان دوح الكنهبل

              - يعني بدوح الكنهبل عظامها -، والكنهبل: العضاه .

              وأما قول الأعرابي لعمر رضوان الله عليه: "ما حملني على ذلك إلا أن معي نضوا لي"، - يعني بالنضو: بعيرا مسنا هزيلا -. وأصل "النضو": كل شيء يخلق، فشبه هذا الأعرابي بعيره في هزاله ومرور الأزمنة عليه بالشيء الخلق، يجره معه ، ومن النضو قول ذي الرمة في صفة حية يشبهها بحبل القربة الخلق:

              ومن حنش ذعف اللعاب كأنه     على الشرك العادي نضو عصام

              .

              [ ص: 53 ] وأما قول مجاهد: "أرى أن يؤخذ برمته، ثم يخرج من الحرم "، فإنه يعني بقوله: "برمته" بالقطعة من الحبل الذي هو به موثق، ومن ذلك سمي غيلان بن عقبة: ذا الرمة ، وذلك أنه فيما ذكر كان خشي عليه وهو صبي المس، فأتي به بعض الحي، فكتب له معاذة فعلقت في عنقه أو عضده، وشدت بخيط. وقيل: بل سمي بذلك لبيت قاله في أرجوزة له يصف وتدا:

              أشعث باقي رمة التقليد     نعم فأنت اليوم كالمعمود

              والرمة: هي القطعة من الحبل، وأما "الرمة"، بكسر الراء: فإنه الشيء الخلق البالي، ومنه قيل للعظم البالي: "رمة"، ومنه قول الله تعالى ذكره: قال: من يحي العظام وهي رميم ، يجمع "رماما، وأرماما"، كما قال: خداش بن بشر البعيث:

              فلقد أنى لك أن تودع خلة     رثت، وعاد حبالها أرماما

              .

              [ ص: 54 ] وأما قول عطاء: لا بأس أن يؤخذ من شجر الحرم وما عفا للسواك، فإنه يعني بقوله: ما عفا: ما فضل عنها من أغصانها وفروعها، من قولهم: قد عفا مال فلان، إذا كثر وصار فاضلا عن حاجته، ومنه قول الله جل ثناؤه: ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا [الأعراف: 95] يعني بقوله: حتى عفوا حتى كثروا .

              وأما قول وائل بن حجر: "كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل رجل يقوده رجل بنسعة"،  فإنه يعني بالنسعة السير المضفور من الجلود.

              وأما قول المقود بالنسعة: "فضربته بالفأس على قرنه"، فإنه يعني القرن: قرن الرأس، وللرأس قرنان، وهما حرفا الهامة المشرفان عن يمين وشمال، والهامة بينهما، فهي أعلى الرأس بين القرنين .

              [ ص: 55 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية