الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب

              فمن ذلك قول أبي سعيد الخدري: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في طين، فرئي أثر جبينه وأرنبته في الطين.   "والأرنبة" طرف الأنف، ومنه قول ذي الرمة:

              تثني الخمار على عرنين أرنبة شماء مارنها بالمسك مرثوم

              وهي الروثة أيضا، وهي الخثرمة، ومن الروثة قول أبي كبير الهذلي:

              حتى انتهيت إلى فراش عزيزة     سوداء روثة أنفها كالمخصف

              .

              [ ص: 214 ] وأما قوله في الخبر الآخر: "فرئي أثر جبينه وترقوته في الماء والطين" فإن الجبين ما عن يمين الجبهة وشمالها من عظم الرأس، والجبهة بينهما.

              وأما قول ابن عمر للرجل الذي رآه قد أثر السجود بأنفه: لا تعلب صورتك، فإنه يعني بقوله: لا تعلب صورتك: لا تؤثر فيه أثرا فتقبحه بذلك، وأصل العلب: الأثر، يقال منه: علبت الشيء إذا أثرت فيه، فأنا أعلبه علبا وعلوبا، ومنه قول عدي بن الرقاع:

              يتبعن ناجية كأن بدفها     من غرض نسعتها علوب مواسم



              وأما قول أبي مجلز: "رأى عمر رجلا ساجدا قد شالت قدماه"  ، فإنه يعني بقوله: "قد شالت قدماه" قد ارتفعتا عن الأرض، يقال منه: شلت الحجر عن الأرض إذا رفعته عنها، وشال الشيء: إذا ارتفع، ومنه قول الأخطل في هجاء جرير بن عطية:

              [ ص: 215 ]

              وإذا وضعت أباك في ميزانهم     قفزت حديدته إليك فشالا

              يعني بقوله فشال: ارتفع.

              وأما قول أبي الشعثاء: رأى ابن عمر رجلا ينتحي في سجوده فإنه يعني بقوله: ينتحي: يعتمد، يقال منه: انتحيت له بكذا، إذا اعتمدته به وقصدته، وهو انفعلت من قول القائل: نحوته بكذا، إذا قصدت نحوه به، كما قال الطرماح:

              فنحا لأولاها بطعنة فيصل     تمكو فرائصها من الإنهار

              وأما من الانتحاء، فقول أبي البلاد الطهوي:

              فصدت وانتحيت لها بعضب     حسام غير مؤتشب يمان



              وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا أكفت شعرا ولا ثوبا، فإنه يعني بقوله" "لا أكفت": لا أكف، يقال منه: كففت الشيء وكفته بمعنى واحد .

              [ ص: 216 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية