فإن قال: فإن كان الأمر في كالذي [ ص: 234 ] ذكرت من جوازه عامدا أو ناسيا أو جاهلا، فما أنت قائل فيما كان يقوله بعض المنتسبين إلى الفقه في رمي رامي الجمرة من الجمرات الثلاث الواجب رميها بسبع حصيات متفرقات، أنه جائز رميها بسبع منهن مجتمعات رمية واحدة، اعتلالا منه في إجازته ذلك، بالأخبار التي ذكرتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من وضعه الحرج عن مقدم شيء من نسكه قبل شيء هو مؤخر عنه، ومؤخر شيء منه عن شيء هو مقدم عليه؟ قيل: ذلك من القول خطأ، ومن التأويل غلط. وذلك أن رامي الجمرات مأمور برمي كل واحدة منهن بسبع حصيات متفرقات، سبع رميات، كل رمية بحصاة منهن، كما الطائف تقديم بعض المناسك قبل بعض، بالبيت الطواف الواجب مأمور بالطواف به سبعة أشواط، فلو طاف به شوطا واحدا ينوي به طوافا عن الأطواف السبعة، لم يكن إلا شوطا واحدا، كما لم يكن رمي الرامي الجمرة الرمية الواحدة بالحصيات السبع، إلا بمعنى الرمية الواحدة بحصاة واحدة.
فإن قال: وكيف يكون ذلك كذلك، ورامي الجمرة مأمور برميها بسبع حصيات، فجامعها برمية واحدة، قد رماها بسبع حصيات كما أمر، والطائف بالبيت مأمور بالطواف به سبعة أشواط، والشوط الواحد لا يكون سبعة أشواط، وذلك أنه لا يقال لطائف شوط واحد طاف سبعة أشواط.
ولا يمتنع ممتنع أن يقول لرامي الجمرة بسبعة أحجار برمية واحدة: رماها بسبعة أحجار.
قيل: ذلك إنما يكون كالذي قلت: لو كان الأمر في الرمي بسبع حصيات دون سبع رميات. فأما الأمر بالرمي بسبع حصيات، كل حصاة منهن برمية غير الرمية بالأخرى، فإنه نظير الأمر بطواف سبعة أشواط، كل شوط منهن غير الأشواط الأخرى، في أن الرمية الواحدة لا تكون سبع رميات، وإن كانت الرمية بخمسين حصاة، كما لا يكون طواف شوط واحد طواف سبعة أشواط.
فإن قال: وما البرهان على أن على رامي الجمرة في حجه رميها سبع رميات [ ص: 235 ] سبع حصيات، دون أن يكون الذي عليه، رميها بسبع حصيات برمية واحدة رماها، أو بسبع رميات بعد أن يرميها بسبع منها؟
قيل: البرهان على ذلك ما لا يدفعه دافع، ولا ينكره من أهل الإسلام منكر، وهو نقل جميعهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علم أمته، إذ علمهم مناسك الحج، رمي كل جمرة من الجمرات الثلاث، في حال وجوب رميهن على راميهن، بسبع حصيات متفرقات، كل حصاة من ذلك برمية بها غير الرمية بالآخر منها، فكان وجوب إفراد رمي كل واحدة منهن برمية غير الرمي بالآخر منهن، من الوجه الذي فيه وجوب رمي كل واحدة من الجمرات الثلاث بسبع حصيات، لأن كل ذلك مما علم وجوبه بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته. فإن لم يكن سائغا للأمة تركها أحدها، لم يكن لهم ترك الآخر منها، وإن انساغ لهم ترك واحدة منها، انساغ له ترك الآخر، فيكون سائغا لهم رمي كل جمرة من ذلك بحصاة واحدة، ومجزئا ذلك عنهم وإن لم يرموها بغيرها، كما جاز لهم رميها عندكم بسبع حصيات برمية واحدة، وقد علموا رميها بسبع حصيات متفرقات، كل حصاة منهن برمية غير الرامي بالآخر منهن، لا فرق بين ذلك. ومن فرق بينهما، كلف البرهان على ما فرق ما بين ذلك من أصل أو نظير، فلن يقول في أحدهما قولا، إلا ألزم في الآخر مثله .