فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ سئل عمن قدم شيئا من نسكه قبل شيء: "لا حرج"، يعني صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا حرج"، لا ضيق في فعل ذلك، أي أن.
[ ص: 236 ] ذلك واسع له في الدين، مطلق غير مضيق فيه. وأصل الحرج: الضيق، ومنه قول الله تعالى ذكره: وما جعل عليكم في الدين من حرج .
وأما قوله إذ قال له: ، فإنه يعني بقوله "أفضت"، رجعت إلى "أفضت قبل أن أرمي" البيت زائره، وإلى الموضع الذي بدأت السمو منه إلى عرفات للطواف بالبيت. وكل عائد إلى أمر بعد بدء، تسميه العرب: مفيضا. وكذلك قيل لضارب القداح بين الأيسار: مفيض، لجمعه القداح، ثم ضربه بها بين المياسرين عودا بعد بدء، ومنه قول بشر بن أبي خازم الأسدي:
فقلت لها: ردي إلي حياته فردت كما رد المنيح مفيض
ومنه قيل للقوم إذا تراجعوا القول بينهم: "أفاضوا في الحديث".وأما قول عبد الله بن عمرو: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل يومئذ عمن قدم شيئا من نسكه قبل شيء إلا قال: "لا حرج"، حتى تصدعوا عنه، فإنه عنى [ ص: 237 ] بقوله: حتى تصدعوا عنه: حتى تفرقوا عنه، وكل صدع فتفرق، ومنه قيل لصدع الزجاجة أو الحائط وغير ذلك صدع، لمفارقة بعض أجزائه التي كانت ملتئمة قبل الانصداع بعضا، ومنه قيل: لافتراق المؤتلفين من القبائل: قد تصدع ما بين حي فلان وفلان، ومنه قول الشاعر:
لعمري لقد أبقت وقيعة راهط لمروان صدعا بينا متنائيا
[ ص: 238 ]